البث المباشر

تفسير موجز للآيات 41 الى 44 من سورة الإسراء

الإثنين 2 مارس 2020 - 07:16 بتوقيت طهران

إذاعة طهران-نهج الحياة: الحلقة 480

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الرسل والأنبياء وعلى آله الأخيار الأصفياء، والسلام على حضرات المستمعين الأكارم وأهلاً بهم في حلقة أخرى من سلسلة حلقات برنامج نهج الحياة أربعون آية من سورة الإسراء المباركة فسرت لكم بشكل وجيز في عدة من الحلقات الماضية.

أما الآن فنستمع معاً إلى تلاوة الآية الحادية والأربعين من هذه السورة حيث يقول تعالى شأنه:

وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـٰذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا ﴿٤١﴾

إن من خصائص القرآن الكريم، تنوع موضوعاته وتكرار بعضها أحياناً، ولعل السبب في ذلك هو كون القرآن كتاب موعظة وهداية، والهداية لا تحصل بمجرد الإطلاع فقط، فلابد من بيان الحقيقة، أي حقيقة كانت بأشكال مختلفة وقوالب متعددة، إذ في مثل هذا الأسلوب مايؤثر على نفوس الناس وعقولهم.

نعم.. إن الخطاب القرآني يقوم على أساس التذكير، فذكر إن الذكرى تنفع المؤمنين. ومن الواضح هنا أن قبول الحق يحتاج إلى قلب سليم، ذلك أن المتعصبين والمعاندين والمتكبرين لا ينصاعون للحق ولا يقبلونه. نعم.. مثل هؤلاء الناس يزدادون عناداً كلما إزداد الحق وضوحاً أمامهم.

والآن إلى الدروس المستفادة من هذه الآية فهي:

  •   إن الإنسان على الدوام بحاجة إلى تذكير، حيث إن هذا التذكير من شأنه أن يساعده على الثبات في العمل بالحق.
  •  إن محاربة الحق من قبل أعدائه نتيجة لما جبلت عليه نفوسهم الملوثة بإدران الباطل.
  •  من أجل الوصول إلى المقاصد العالية والأهداف السامية لابد من اتباع أكثر من أسلوب.

نعم.. لابد من تنوع الأساليب لتناسب قابليات الناس وأذواقهم المختلفة، وقد خلق الله تعالى الناس أطواراً.

والآن نصغي إلى تلاوة الآيتين الثانية والأربعين والثالثة والأربعين من سورة الإسراء المباركة وهي قوله جل شأنه:

قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَّابْتَغَوْا إِلَىٰ ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا ﴿٤٢﴾

سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا ﴿٤٣﴾

إن مشركي مكة كانوا يعترفون بأن الله تعالى خالق هذا الوجود بيدأنهم كانوا يجعلون له شركاء لتدبير أمور الكون لم ينزل الله بهم سلطاناً، ومن هنا انكبوا على عبادة أصنامهم وأوثانهم التي كانوا يقولون عنها ما نعبدها إلا لتقربنا إلى الله زلفى وهي أوثان لا تضر ولا تنفع، لو كان في الكون العديد من الآلهة فإن النزاع يدب بينها للسيطرة عليه، وهذا الأمر يؤشر عليه قوله تعالى [لو فيهما آلهة إلا الله لفسدتا] أي السموات والأرض.

ومن الدروس المستفادة من النص الذي قمنا بتفسيره:

  •   لابد من تسبيح الله تعالى على الدوام وتنزيه ذاته المقدسة عن كل شرك وكفر، وتعالى الله عما يصفون. إن ذات القدس الربوبي أعلى وأسمى من كل ما قد يخالط الذهن من أفكار غير صائبة أو يظهر منها على اللسان فهو الواحد الأحد والفرد الصمد، تبارك ربنا جل وعلا.
  •  لابد من الحذر ومنع تغلغل الأفكار الخرافية في عقيدة التوحيد الخالص، ولا ينبغي أن نفسح المجال لانتشار العقائد الهدامة في المجتمع تحت مسميات الدين.

ويقول تعالى في الآية الرابعة والأربعين من سورة الإسراء المباركة:

تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴿٤٤﴾

إن إحدى المعارف القرآنية إثبات وجود مراتب من الشعور في جميع المخلوقات وخضوعها وخشوعها في مقابل خالق السموات والأرضين، وفي العديد من آيات الذكر الحكيم جاءت الإشارة إلى تسبيح الموجودات وحمدها الله تعالى، وإلى هذا المعنى يشير هذا النص بصراحة ويبين هذا النص أن الإنسان قد لايفقه تسبيح سائر الموجودات لأنه خارج عن دائرة فهمه، لكن لا مسوغ لإنكار هذا الأمر.

وفي النص كذلك ما يدل على أن الموجودات في الكون كلها ذات شعور وإن لم يبد لنا هكذا إن بعض المثقفين المتدينين أرادوا تفسير تسبيح الموجودات والكائنات على أنه تسليم أمام قوانين الطبيعة، لكن لنا أن نقول هنا:

  •   إن التسبيح ليس له هذا المعنى إننا نعي تسليم الموجودات أمام القوانين الطبيعة على أن نص الآية يدلنا على أن الإنسان العادي لايدرك تسبيح الموجودات.

وثمة نقطة مهمة لابد أن نشير إليها هنا وهي أن أولياء الله تعالى في مقدورهم أن يعوا كلام الموجودات، وكما جاء في القرآن الكريم وبعض الروايات فإن النبي سليمان بن داوود على نبينا وآله وعليها الصلاة والسلام كان يكلم الطير ويسمع كلام النمل، وإن الحصى الصغار في يدي رسول الله (ص) قد شهدت له بالنبوة والرسالة الخالدة والمستفادة من النص الشريف:

  •   إن الوجود برمته يسبح لله تعالى، فلماذا يتخلف الإنسان عن قافلة المسبحين.
  •  إن معرفة الإنسان للوجود وحالاته معرفة ناقصة وإن درك العديد من الحقائق ربما يكون غير ممكن بواسطة العلوم التجريبية أو العلوم التطبيقية، وهنا تبدو الحاجة ماسة للوحي الإلهي.

حضرات المستمعين الأفاضل هكذا انتهت حلقة اليوم من نهج الحياة، نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لمرضاته ويجعلنا له من المسبحين القانتين، والسلام عليكم وعلى عباد الله الصالحين.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة