بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد بن عبد الله وعلى أهل بيته الطاهرين.
نحييكم تحية عطرة أيها الأخوة والأخوات وأهلا بكم في هذه الحلقة من نهج الحياة حيث التفسير الموجز لآيات الذكر الحكيم، وما زلنا في رحاب سورة الإسراء المباركة، وقد أنهينا تفسير 36 آية منها، والآن نستمع إلى تلاوة الآيتين السابعة والثلاثين والثامنة والثلاثين من هذه السورة:
وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ﴿٣٧﴾
كُلُّ ذَٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا ﴿٣٨﴾
في الآيات السابعة لهاتين الآيتين أشار القرآن الكريم إلى عدة أعمال وتصرفات قبيحة وغير لائقة، ومن ذلك القتل والزنا وأكل مال اليتيم بالباطل والبخس في المكيال والميزان. ويأتي هذا النص الشريف ليشير إلى قاعدة أخلاقية وإجتماعية مهمة حيث يحث على عدم المشي مشية المتكبر، ويخاطب النص القرآني الإنسان بقوله إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً.
نعم.. ما أفضل أن يمشي الإنسان مشية المتواضع، إذ في هذا دليل على العبودية لله الواحد الأحد، وإلى هذا المعنى أشارت الآية الثالثة والستون من سورة الفرقان المباركة.
أجل.. إن الدين الإسلامي الحنيف والشريعة المحمدية الغراء علاوة على التكاليف الإلزامية، أي الواجبات والمحرمات، تتضمن قوانين أخلاقية سامية.
والذي يستفاد من هذا النص:
- إن التكبر أمر مذموم وسيء، سواء كان في النظر أو الكلام أو المشي وغير ذلك.
- إن الموبقات من الأعمال منبوذة في كل الأديان لأن الله تعالى لا يقبلها والفطرة ترفضها.
والآن نستمع إلى تلاوة الآية التاسعة والثلاثين من سورة الإسراء الشريفة:
ذَٰلِكَ مِمَّا أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ ۗ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّـهِ إِلَـٰهًا آخَرَ فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا ﴿٣٩﴾
تذكر الآية الكريمة بأن ما مرّ من قوانين وقواعد أخلاقية ودينية، هو من وحي السماء، وحي الله تبارك وتعالى الذي نزل على رسول الله (ص). وأول ما نزل في هذه الآيات المباركات الإبتعاد عن الشرك، ويأتي هذا النص ليؤكد مرة أخرى على ضرورة الإبتعاد عن الشرك حيث أن الشرك يحرم الإنسان من رحمة الله.
والذي يفيده هذا النص القرآني:
- إن قوانين الله تعالى تقوم على أساس الحكمة والمصلحة، والدليل العقلي أي إنها تطابق العقل، وكذلك تطابق الفطرة السليمة.
- إن عدم العمل بالقوانين الإلهية هو نوع من الشرك، أجل إن إتباع القوانين الوضعية وترك القانون الإلهي شرك لأن الله سبحانه وتعالى هو مصدر التشريع وحده.
والآن نستمع إلى تلاوة الآية الأربعين من سورة الإسراء المباركة:
أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا ۚ إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا ﴿٤٠﴾
من العقائد الخرافية التي كانت رائجة عند المشركين، والتي تتجلى إلى اليوم في الصور والتماثيل المصنوعة للملائكة، أن الملائكة هم أناث، وثمة تناقض كان في عقيدة المشركين، ذلك أنهم نسبوا إلى الله البنات، بعد ما اعتبروا الملائكة إناثاً وبناتاً لله، بينا هم كانوا يرون أن البنت هي مصدر عار وفضيحة، ومن الضروري الإشارة هنا إلى هذه النقطة وهي أن البنين والبنات هم على السواء من مواهب الله وليس من فرق بين الذكر والأثنى وعليه فإن تحقير الأنثى الرائج في الفكر الجاهلي القديم والحديث هو فكر باطل وخرافي، ولعل القرآن أراد هنا وعلى أساس قاعدة /من فمك أدينك/ أن يدين عقائد المشركين إذ قال تعالى: إنكم لتقولون قولاً عظيماً، وعلى أي حال فإن الذي يؤسف له أن نسبة الولد إلى الله قد وردت في أديان سبقت الإسلام وهذا هو الشرك بالله تعالى، ذلك أن الله تباركت أسماؤه لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.
نعم.. كما جاء في القرآن الكريم – وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله – في حين أن عزير كان نبياً وكان عيسى بن مريم نبياً، إذ قال على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام: قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً.
أما الدروس المأخوذة من الآية فمنها:
- أن الإعتقاد بوجود الولد لله ذكراً كان أم أنثى عقيدة باطلة لا أساس لها ولا معنى.
- كيف يتأتى للإنسان أن ينسب إلى الله تعالى ما لا يرضى أن ينسبه إلى نفسه؟ وكيف للإنسان أن يجعل من الملائكة إناثاً وهي ليست موجودات مادية؟
غفر الله لنا ولكم والسلام خير ختام.