البث المباشر

تفسير موجز للأيات 34 الى 36 من سورة الإسراء

الإثنين 2 مارس 2020 - 06:24 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 478

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي المختار طه الأمين وعلى أهل بيته الطاهرين، والسلام على حضرات المستمعين الأكارم وأهلاً بهم في حلقة أخرى من هذا البرنامج وتفسير آيات أخرى من سورة الإسراء المباركة حيث وصلنا إلى الآية الرابعة والثلاثين منها، والتي نستمع إلى تلاوتها أولاً:

وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۚ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ﴿٣٤﴾

لقد مر علينا خلال تفسير آيات سابقة من سورة الإسراء المباركة، النهي عن بعض المعاصي، مثل قتل النفس المحترمة والزنا، وتأتي هذه الآية الشريفة لتحذر من التصرف غير المشروع في أموال اليتامى، حيث توجب الآية احترام مال اليتيم وعدم التصرف به بأي أنواع التصرفات من البيع والشراء وسائر موارد الإتجار.

لكن كما هو منطوق الآية الشريفة، إن كان إدخال مال اليتيم المعاملات التجارية فيه فائدة له فلا بأس بذلك، وهذا هو المعنى المستفاد من قوله تعالى – إلا بالتي هي أحسن-، ومن الواضح أن الإحتياط الزائد عن الحد في التعامل مع مال اليتيم فيه ضرر على ذلك المال وصاحبه، وعلى سبيل المثال لا داعي لجعل مال اليتيم في ركود اقتصادي، أي من دون استثمار مشروع، كما أنه من غير الصحيح التحفظ من الحضور على مائدة اليتيم بادعاء أن ذلك يضر بماله، إلا أن الأمر على العكس، في مثل هذه الحالة يتأذى اليتيم ويصبح إنساناً منزوياً في الحياة الإجتماعية؛ نعم.. لابد من التواصل مع اليتيم مع الأخذ بعين الإعتبار الحفاظ على أمواله وعدم التفريط بها.

وكيفما كان فإن الإفادة من هذا النص الشريف يمكن إجمالها في النقطتين التاليتين:

  •   إن الإسلام حامي حقوق اليتامى والمحرومين وأن القرآن الكريم جعل الظلم لليتيم مثل المحرمات الأخرى وكبائر الإثم، كالقتل والزنا.
  •  إن الأطفال اليتامى يملكون كما يملك البالغون، لكن ليس لهم حق التصرف في أموالهم قبل بلوغهم سن الرشد، ومن هنا لابد من الوصاية على مال اليتيم قبل أن يبلغ أشده أو القيمومة عليها، حسبما يقتضيه الشرع الإسلامي الأنور.

والآن نصغي إلى الآية الخامسة والثلاثين من سورة الإسراء المباركة:

وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴿٣٥﴾

تأتي هذه الآية المباركة لتنظم عمليات البيع والشراء والمعاملات الإقتصادية بين الناس، والنص الشريف واضح في مراعاة الدقة في بيع السلع التي تكال مثل القمح، أو التي توزن مثل الفواكه وما إلى ذلك. إن الباري تبارك وتعالى يحث كثيراً أداء الناس حقوقهم ويحذر من أن يبخسها، له العذاب يوم الحساب، ومن ذلك قوله تعالى _ ويل للمطففين _، ومن الواضح أن الوصول إلى السعادة على مستوى الفرد والمجمتع إنما يكون في حال كون العلاقات الإقتصادية قائمة على أسس سليمة وصحيحة ولا ينبغي في الإقتصاد السليم فسح المجال أمام تصرفات اقتصادية غير سليمة، مثل الرشوة والتطفيف والسرقة، تحت مسميات معاملات تجارية، ومما يستفاد من هذا النص:

  • إن الدقة في وزن السلع وكيلها فيه الخير والبركة في الرزق والتكسب.
  •  إن المعاملة الإقتصادية غير الصحيحة قد تعود على صاحبها بالنفع، لكن ماجدوى هذه المنفعة، وفي الآخرة حساب وعذاب أليم؟

ويقول تعالى في الآية السادسة والثلاثين من سورة الإسراء المباركة:

وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴿٣٦﴾

إن من أهم وأكبر المشاكل التي تعاني منها المجتمعات البشرية سواء على مستوى الأسرة أو على مستوى المجتمع برمته، الحكم على الأمور من دون تأني، وعلى أساس مسموعات من الآخرين أو مرئيات.

إن الكثير من المسموعات لا تقوم على أدلة متقنة، وهي أقوال تطرق الآذان، قالها أناس على أساس من الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً، على أن قيمة المرئيات أكثر من قيمة المسموعات، لكن بشرط كون الرؤية غير السطحية بل معمقة.

أجل.. لا ينبغي أن تكون الرؤية عابرة، فيكون الظاهر هو الأساس في اتخاذ القرار، بل لابد من اتخاذ القرار بعد التعمق في الرؤية لكي لا يظلم أحد لا قدر الله. إن الذي يؤسف له، أن الأشخاص من ذوي الوجهين والمرائين، وهم الذين يعبر عنهم القرآن الكريم بالمنافقين في المجتمع كثيرون، ومثل هؤلاء يخدعون الذين ينخدعون بظواهر الأمور، أجل.. ما أحوج الناس إلى الدقة في الأمور كي لا يقعوا في حبائل أصحاب النفاق.

إن الذي تدل عليه هذه الآية هو أن السمع والبصر إن أفادا العلم فلا بأس من العمل به، لكن مجرد الرؤية والسمع لا يعد ملاكاً للعمل أو اتخاذ قرار، حيث من بعد ذلك يكون الإنسان مسؤولاً عما فعل، وهذا معنى قوله تعالى إن السمع والبصر والفؤاد كل ذلك كان عنه مسؤولاً.

نعم.. قد لاينطق الإنسان بشيء سيء لكن النية السيئة تكون كامنة في قلبه.

وما يستفاد من هذه الآية فهو:

  •   إن ملاك عمل الإنسان في حياته، العلم أي الإطلاع على الأشياء بدقة، والسمع والبصر والتصور ليست بمجردها مسوغة لاتخاذ قرار أو القيام بعمل.
  •  إن كل جوارح الإنسان لابد أن تكون في المسير الصحيح، فالأذن والعين واليد واللسان كلها تقف يوم الحساب في حضرة القدس الإلهي، حيث تجيب كما فعلت في الدنيا.

غفر الله لنا ولكم والسلام عليكم.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة