بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله وسيد أنبياء الله، سيدنا محمد بن عبد الله وعلى آل بيته، واللعن على أعدائهم أعداء الله.
السلام على حضرات المستمعين الأكارم وأهلاً بهم في حلقة أخرى وجديدة من هذا البرنامج حيث نتابع تفسير موجز لآيات أخرى من سورة الإسراء المباركة، ونبدأ بالإستماع إلى تلاوة الآية التاسعة والعشرين منها:
وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا ﴿٢٩﴾
كما مر علينا في الحلقة الماضية فإن القرآن الكريم أمر بالإحسان إلى الوالدين وذوي القربى والفقراء والمساكين، وتأتي هذه الآية لتوضح لنا حدود الإنفاق، أي عدم الإنفاق بإفراط أو تفريط كما هو صريحها، حيث يقول النص الشريف؛ ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك وهو كناية عن البخل، ولا تبسطها كل البسط وهو كناية عن الإفراط في الإنفاق وتكون عاقبته أن يقعد الإنسان ملوماً محسوراً، كما هو تعبير القرآن الكريم.
إن الإسلام هو دين الإعتدال في كل الشؤون، وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد أراد لأمة الإسلام أن تكون أمة وسطاً، فقد أراد لهم أوسط الأمور وهي خيرها.
ومما يفيده لنا هذا النص:
- كما أن البخل أمر مذموم فإن الإسراف في الإنفاق لايتفق وتعاليم الشريعة الإسلامية الغراء.
- إن محصلة الإسراف حتى وإن كان في أعمال الخير والإحسان، هو التعرض للوم والضيق.
والآن نستمع إلى تلاوة الآية الثلاثين من سورة الإسراء:
إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ﴿٣٠﴾
كما هو واضح فإن هذه الآية المباركة تشير إلى اختلاف أرزاق الناس في الدنيا، ذلك أن الله تبارك وتعالى لم يجعل رزق العباد متساوياً، واقتضت حكمة الله تعالى أن يفضل بعض العباد على بعض في الرزق، وليس في هذا أي إجحاف أو ظلم فهو تعالى أعلم بشؤون العباد ومصالحهم وهو العليم الخبير.
وفي تفاوت الأرزاق، تفاوت في المسؤوليات، فمن زاد رزقه كثرت مسؤولياته أمام الباري المتعال، ثم إن الدنيا دار ابتلاء ودار امتحان، يمتحن العبد فيها غنياً كان أم فقيراً، الغني من الناس يمتحن بإنفاقه والفقير من الناس يمتحن بصبره وقناعته على أنه من أجل الحصول على رزق الله لابد من العمل والسعي والمثابرة في الحياة، أليس القرآن الكريم يقول: فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور.
هذا وإن عوامل عديدة تدخل في تحديد مقدار الرزق وقد يسعى إثنان نفس السعي، لكن رزقهما يتفاوت وهذا من إرادة الله تعالى، وكيفما كان فإن الأغنياء والفقراء هم على السواء فقراء إلى الله، وما عند الأغنياء أمانة من ملك الله، يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد، والمراد من الفقراء هنا الفقر المادي والمعنوي معاً، فالله هو مالك الملك ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ويستفاد من هذا النص:
- لا ينبغي أن نتوقع المساواة في الرزق وعلينا أن نقدم المساعدة إلى محتاجيها بقدر ما نستطيع ولا تكليف علينا أكثر من ذلك.
- إن أعمال الله هي على أساس العلم والحكمة، ومن ذلك تقسيم الأرزاق بين الناس، وعلى أي حال فإن الله هو الرزاق ذوالقوة المتين.
والآن نستمع إلى تلاوة الآية الحادية والثلاثين من سورة الإسراء المباركة:
وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴿٣١﴾
إن قتل الأولاد، الذي أشارت إليه هذه الآية، يتم بأشكال مختلفة، منها الإجهاض وهو القتل عندما يكون المقتول جنيناً وكذلك قتل الولد بعد ولادته، وللقتل هنا أسباب مختلفة.
على أن الآية أشارت إلى أحد هذه الأسباب وهو الفقر والمشاكل الإقتصادية، وتبين هذه أن الرزق بيد الله تعالى وأنه يرزق الوالد والولد معاً، ومن هنا يأتي النهي القرآني عن القتل خشية الإملاق، أي الفقر، وثمة نقطة لابد من الإشارة إليها قبل متابعة الكلام وهي أن المراد من الولد أو الأولاد في النصوص القرآنية، الذكر والأنثى على حد سواء، ولعل هذا المعنى واضح في قوله تعالى، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً.
وعلى أي حال فإن إسقاط الأجنة أو الإجهاض محرم في قوانين الأديان السماوية ومنها الإسلام سواء كان لدفع الفقر أو بدافع آخر. وفي الحقيقة أن المولود ليس ملك الوالد أو الوالدة، إنه إنسان وخلق الله الناس أحراراً، فكيف والحال هذه يقضى على حياة إنسان وهو جنين في بطن أمه؟ والذي يثير الدهشة في عصرنا الحاضر أن بعض الأمم المتمدنة تنتقد وأد البنات في العصر الجاهلي عند العرب، بيدأن مقنني هذه الأمم التي تدعي لنفسها التمدن، يصادقون على قوانين تجيز الإجهاض وتبيحه إذا كانت الأم راغبة في ذلك، ولنا أن نسأل أي فرق بين وأد البنات والإجهاض في عالمنا المعاصر؟
وإذا كان حق الحياة في الماضي يسلب من البنات، فإنه اليوم قد يسلب من البنين والبنات، وإذا كان وأد البنات كان يتم دفعاً للعار على حد زعم الجاهلية، فإن الإجهاض في يومنا هذا يتم إرضاءاً لنزوات الوالدين أو أحدهما.
وفي إشارة خاطفة لابد من القول هنا أن الشرع ربما يجيز الإجهاض إذا كان في بقاء الجنين خطراً على الأم مثلاً إذا مات في بطنها.
وما يستفاد من هذا النص:
هكذا أيها الأخوة والأخوات انتهت هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة، نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.