بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم سيدنا محمد وآله الطاهرين. السلام عليكم مستمعينا الكرام وأهلاً بكم، نواصل تفسير آيات أخرى من سورة الإسراء المباركة ونبدأ أولاً بالإستماع إلى الآية السابعة منها:
إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا ﴿٧﴾
في الحلقة الماضية إستندنا بالآيات التي ذكرت أن الله تعالى أخبر بني إسرائيل أنهم يفسدون في الأرض مرتين ومن بعد ذلك يحل عليهم العذاب وقد مر علينا كيف أنهم أخذوا أسارى إلى بابل، وكيف أن قيصر الروم هاجم وأوقع فيهم القتل والسبي، وتنبه هذه الآية بني إسرائيل إلى أنهم بعد ما أفسدوا في الأرض ونالهم العذاب لم يأخذوا الدروس والعبر.
والذي حدث كما يذكر المؤرخون إن الذلة والمسكنة قد حلتا ببني اسرائيل وإن المسجد الأقصى تسلط عليه الأعداء، على أن القرآن الكريم لم يتحدث بالتفصيل حول هذه الحادثة، فهدفه الأساس هو أخذ الدروس والعبر منها، ولكي يتعظ أولو الألباب، ولابد أن نعلم جميعاً أن الكفر والظلم لا يدومان وإن من يفسد في الأرض يلق جزاؤه فيها.
وما يستفاد من هذه الآية:
- إن إحساننا أو إساءتنا لا تنفع الله ولا تضره، إنما مردودها علينا نحن.
- إن سنن الله تعالى حول المجتمع والتاريخ ثابتة وأن للفاسدين الدمار.
ونستمع الآن إلى تلاوة الآية الثامنة من سورة الإسراء:
عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ۚ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا ۘ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ﴿٨﴾
تدعو هذه الآية إلى الأمل في رحمة الله تعالى وعدم اليأس من رحمته تعالى شأنه، فهو الرحمن الرحيم والرؤوف الكريم ذوالفضل العظيم، لكن عمل الإنسان إن كان حسناً يجعله في رحمة من الله وإن كان سيئاً، فليس للإنسان من رحمة الله نصيب.
ومن الواضح أن من يصر على الفساد لا تشمله رحمة الله ورأفته، وعلاوة على الهلاك في الدنيا فإن للمفسد في الآخرة عذاب عظيم، فهو يخسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
والذي يفيده إيانا هذا النص:
- إن الله تعالى رؤوف بالعباد، ما من شأنه إبعاد الرحمة الإلهية عنهم.
- إلى جانب البشارة بالرحمة يأتي التحذير من العذاب الإلهي كي يتمكن الإنسان من سلوك السبيل الموصلة إلى رحمة الله ورضوانه.
ولنصغي إلى تلاوة الآيتين التاسعة والعاشرة من سورة الإسراء حيث يقول ربنا جلت عظمته:
إِنَّ هَـٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴿٩﴾ وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴿١٠﴾
هذه إشارة قرآنية إلى دور ومكانة القرآن الكريم في هداية البشرية إلى الصراط المستقيم؛ إن المعارف والحقائق الإلهية الثابتة التي جاءت في نصوص قرآنية شريفة تنشد هدفاً سامياً هو سعادة الإنسان وفلاحه.
أجل.. إنها تأخذ بأيدي الناس إلى حدود الكمال والمرتبة العليا وأن الله تباركت أسماؤه قد وفر للإنسان أشرف مخلوقاته كل السبل التي توصله إلى الكمال وتجعله ينال سعادة الدارين وحسن العاقبة وذلك هو الفوز العظيم.
وواضح أن اقتفاء سبيل الهداية والرشاد بيد الإنسان والجري وراء طريق الضلال والتيه هو الآخر بمحض إرادة الإنسان إن من يمشون في طريق التيه تحرمهم محركات الهوى والنفس الأمارة بالسوء، نسأل الله أن يعصمنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.
أما الدروس المستفادة من هذا النص الشريف فهي:
- إن الهداية القرآنية تقوم على أساس رصين ومنطق قويم، وليس للأوهام والخرافات سبيل إليها.
- إن القرآن كتاب سماوي خالد لكل الشعوب، لا يخص زماناً دون زمان ولا مكاناً دون مكان.
- من علائم الرحمة الإلهية نزول كتاب الهداية الربانية، والإنسان هو الذي يستضيء بإرادته بمصابيح القرآن المنيرة، فتكون الجنة مثواه ومن يمشي في الظلام تكون النار مأواه.
اللهم وفقنا لطاعتك وجنبنا معصيتك واجعل عاقبة أمورنا إلى خير، آمين يا رب العالمين.