بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الرسل أجمعين سيدنا ونبينا محمد وعلى أهل بيته الطاهرين المعصومين الأخيار المنتجبين، ثم السلام على المستمعين الأفاضل في كل مكان الذين يأتيهم عبر أثير هذه الإذاعة صوت القرآن الكريم وصوت الحق المبين.
وها نحن مرة أخرى وإياكم في رحاب سورة النحل المباركة وتفسيرها، حيث نستمع الى تلاوة الآية الثامنة والسبعين من هذه السورة:
وَاللَّـهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿٧٨﴾
في هذه الآية الكريمة يشير القرآن الكريم الى أهم خصوصية لدى الإنسان، أي العقل والشعور والإدراك، على أن الإنسان يخرج من بطن أمه وهو لا يعلم شيئاً وبإذن الله تعالى وبمساعدة العقل الذي أودعه الله فيه وكذلك الحواس، مثل السمع والبصر يتعلم، ومن هنا يتضح لنا أن علم الإنسان مهما بلغ، هو علم اكتسابي لا ذاتي.
نعم.. إن العقل والسمع والبصر نعم عظيمة حباها الله الإنسان، فلماذا لا يشكر الإنسان ربه وخالقه عليها؟
إن الذي نتعلمه من هذا النص الشريف هو:
- إن الإنسان إذا ما نقصت منه بعض الحواس يعي قيمتها ويشكر الله أن أعطاه إياها.
- إن تحصيل العلم النافع هو من مصاديقه الشكر العلمي لنعم الله علينا مثل العقل والسمع والبصر.
والآن نصغي الى تلاوة الآية التاسعة والسبعين من سورة النحل المباركة:
أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّـهُ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿٧٩﴾
بعد بيان نعم العقل والسمع والبصر يأتي القرآن الكريم ليبين نعماً أخرى من لدن الله، ومن هذه النعم، نعمة وجود الطير في السماء، إذ من علائم قدرة الله تعالى أن تطير الطيور في السماء، حيث خلق الله تعالى هذه الحيوانات بشكل يؤهلها للتحليق في السماء، إذ جعل لها تعالى جسماً مغزلياً وأجنحة.
نعم.. الطيور قد تطير منفردة وقد يكون طيرانها في اسراب وقد يكون على ارتفاع منخفض وآخر عال، والملاحظ أن أجنحة كل طير تناسب مع حجمه ووزنه.
منذ أوائل القرن العشرين تمكن الإنسان من صناعة الطائرات وهي اليوم على أشكال وأنواع عديدة، منها الطائرات المدنية والأخرى العسكرية، وكل هذه الطائرات وتقنيها مأخوذة من تقنية الطيور التي تطير في السماء بإذن الله وقدرته، جلت قدرة ربنا.
وما يفيده لنا هذا النص هو:
- إن التفكر في خلق السموات والأرض والطير وسائر المخلوقات، فيه مرضاة الله، لأنه مما يعين على معرفته عز وجل.
- إن الناس جميعاً يرون عظيم خلق الله وجميل صنعه، لكن القليل منهم يتفكرون في خلق الله وهم المؤمنون، [ربنا ما خلقت هذا باطلاً].
والآن الى الآية الثمانين من سورة النحل المباركة:
وَاللَّـهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ ۙ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَىٰ حِينٍ ﴿٨٠﴾
تتحدث هذه الآية الشريفة عن نعمة جلود الحيوانات وأصوافها ووبرها وشعورها وفوائد كل هذه الأشياء في حياة الإنسان، ومع مرور الزمن وتطور الصناعات، لا تزال هذه الأشياء الطبيعية محافظة على مكانتها ورونقها في حياة الإنسان في العصر الحديث.
إن أفضل الخيام في هذا العصر تصنع من وبر الحيوانات وصوفها، كما أن أثمن الملابس والأحذية هي التي تكون من جلود الحيوانات، أو ما يصطلح عليه الجلود الخالصة، كما أن أنواع السجاد الثمين هي تلك التي يكون مصدرها شعور الحيوانات ووبرها.
إن فوائد هذه الأشياء ليست لأصحابها فقط بل الكل منها يستفيد وهي ذات عوائد اقتصادية مهمة، حيث أن الثروة الحيوانية في كل بلد من بلدان العالم هي من الثروات ذات التأثير الكبير في النمو الإقتصادي.
وما يستفاد من هذا النص:
- إن دور الحيوانات، دور كبير في حياة الناس، لكن في المقابل دور الإنسان في حياة الحيوانات أقل، وفي امكان الحيوانات العيش حتى دون وجود الإنسان.
- إن التناسق بين نعم الله تعالى وحاجات الإنسان في الطبيعة هي من ألطاف الله تعالى على الإنسان، وفيها دليل على حكمة الله تعالى في تدبيره في خلقه.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوزعنا شكر نعمه ويوفقنا لمراضيه ويجعل مستقبل أمرنا خيراً من ماضيه، والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم.