بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأزكى التسليم على سيد الأولين والآخرين، نبي الهدى والرحمة أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين من الآن الى قيام يوم الدين.
سلام من الله عليكم حضرات المستمعين الأكارم ورحمة الله وبركاته، أهلا بكم في هذا اللقاء القرآني الجديد حيث نقدم لكم تفسيراً موجزاً لما تبقى من آيات سورة ابراهيم (ع) ونبدأ بالإستماع الى تلاوة عطرة للآيتين السادسة والأربعين والسابعة والأربعين من هذه السورة المباركة:
وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّـهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴿٤٦﴾
فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّـهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ۗ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ ﴿٤٧﴾
في الآيات التي سبقت هاتين الآيتين تحدث الله تبارك وتعالى عن ظلم الظالمين ووضعهم يوم القيامة، وكيف أن هؤلاء عندما كانوا في الدنيا لم يأخذوا الدروس والعبر من أمم الماضين وبقوا على ضلالهم وباطلهم، لكن أنى للباطل أن يصمد بوجه الحق، ذلك أن مكر الكافرين، وهل الباطل مهما كان زائل أمام قدرة الله تعالى وعظمته، أليس الله تعالى يقول (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)؛ على أن مكر الله ليس من قبيل الخداع، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، إنما المراد منه أنه تعالى بقدرته يبطل مؤامرات أعداء الدين، ولاينبغي لأحد مهما أوتي من قوة أن يتصور أنه خارج عن إرادة الله حتى وإن أزال بقوته جبلاً، ذلك أن الله تباركت أسماؤه هو الفاعل المطلق في هذا الوجود بأسره وإن كل الإرادات تتصاغر أمام إرادته جلت قدرته.
أجل، إن وعد الله حق وقد وعد تعالى أنبياءه بانتصار الحق على الباطل، وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.
وما يستفاد من هذا النص المبارك:
- لاينبغي أن يداخل نفوس المؤمنين الشك فيما لو تأخرت الإمدادات الإلهية عنهم، ذلك أن فعل الله تعالى في كل زمان ومكان نابع من المصلحة وقائم على الحكمة.
- إن إمهال الظالمين والكفار هو من هذه الحكمة وليس الله تعالى بغافل عما يفعل هؤلاء.
والآن نصغي الى تلاوة الآية الثامنة والأربعين من سورة ابراهيم عليه السلام:
يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ۖ وَبَرَزُوا لِلَّـهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴿٤٨﴾
كما جاء في العديد من آيات الذكر الحكيم ومنها هذه الآية المباركة أن من علامات يوم القيامة تغيير نظام الكون الذي هو سائد الآن، لكن ما الذي سيحدث؟ نعم للإجابة عن هذا السؤال نقول أنه، وبقدرة الله الواحد الأحد، تزال الجبال من مواقعها، وحسب التغيير الجيولوجي تحدث زلازل كبيرة تهد الجبال هداً، والشمس تنطفيء شعلتها وتندثر النجوم، حيث تكون السموات مطوية بيمين قدرته جلت عظمته ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم؛ ومن بعد ذلك تبدع يد الصانع العظيم، جلت قدرته، نظاما جديدا للوجود.
وبإرادة الله تبارك وتعالى يحيى الأموات، وترى الناس في مشهد اليوم العظيم ماثلين في حضرة القدس الإلهي، وفي محكمة العدل الإلهي يرون جزاء ما فعلوا من خير أو شر، وهذا معنى قوله تعالى (وبرزوا لله الواحد القهار).
أما الدروس المستقاة من هذا المنهل الفياض من كلام الوحي المبين فهي:
- إن يوم القيامة هو يوم الحساب والثواب والعقاب، وإذا كان الإنسان في ذلك اليوم يفر من صاحبته وبنيه فإنه لا يقدر على الفرار من محكمة العدل الإلهي إن كان من الضالين والكافرين، وأما المؤمنون في ذلك اليوم فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
- إن رحمة الله واسعة، لكن لارحمة للكافرين في يوم الجزاء.
والآن نستمع الى تلاوة الآيتين التاسعة والأربعين والخمسين من سورة ابراهيم:
وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ ﴿٤٩﴾
سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ النَّارُ ﴿٥٠﴾
يبين هذا النص لنا ذل المجرمين وهو أنهم يوم الحساب وشدة العذاب الذي هم فيه جزاء ما اقترفوا من سيئ الأعمال والمعاصي والآثام. نعم، إنهم يبدون مغللين بالأصفاد وفي هذا عذاب للنفس والجسد؛ أما لباس الكفار والعاصين في العذاب الإلهي، أو لنقل الجزاء الإلهي، فهو من مادة القطران حسبما يعبر القرآن الكريم، والقطران مادة كيميائية تزيد من الإشتعال وهي تشبه القير وتستخرج من الفحم الحجري.
وما يفيده لنا هذا النص:
- أن القرآن الكريم يرسم لنا بدقة فائقة ملامح يوم القيامة حتى لأن الإنسان يتصور أنه في ذلك اليوم وهذا النوع من الرسم القرآني فيه فوائد جمة حيث لايبقى أدنى ريب وأقل شك في يوم المعاد.
- ربما أمكن القول أن الأزياء التي يرتديها العاصون في الدنيا لإثارة الشهوات والتفاخر، هي التي تتجسد بالقطران يوم القيامة وهي التي فيها الذل والهوان لأصحابها.
والآن نستمع الى الآيتين الحادية والخمسين والثانية والخمسين من سورة ابراهيم عليه السلام وهما آخر آيتين في هذه السورة المباركة:
لِيَجْزِيَ اللَّـهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴿٥١﴾
هَـٰذَا بَلَاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿٥٢﴾
في آخر هذه السورة يبين لنا القرآن الكريم، إن وعد الله حق وأن الساعة آتية لاريب فيها لتجزى كل نفس ما كسبت، إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
إن تعاليم الرسل العظام والأنبياء الكرام عليهم أفضل الصلاة والسلام، وكذلك مضامين الكتب السماوية فيها النور والهداية وفيها البشرى والإنذار.
وهنا يمكن أن يتميز العقلاء عن غيرهم من الناس، ذلك أن العقلاء يتبعون الحق ويسيرون في سبيل الهداية، أما غيرهم فيتخذ الى الضلال طريقاً.
ومايستفاد من هذا النص القرآني:
- أن اعمال الإنسان في الدنيا تسجل بالكامل في سجل الحساب الإلهي حيث أن الله تعالى لا يفعل عن أي شيء وهذا منطوق القرآن الكريم الذي يقول: (مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها).
- إن إبلاغ الرسالة الإلهية ليس بكاف وحده بل لابد من الإنذار والتحذير ولهذا فإن كل نبي لأمته بشير نذير.
هكذا حضرات المستمعين الأفاضل أنهينا تفسير سورة ابراهيم (ع) بفضل من الله ومنته، نسأل الله تعالى أن يتقبل منا ذلك بقبول حسن وأن يجعله من زادنا يوم المعاد، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
دمتم في أمان الله والسلام عليكم.