بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من بعث رحمة للعالمين أبي القاسم المصطفى محمد وآله الأطهار.
السلام عليكم إخوة الإيمان في كل مكان، هذه حلقة أخرى من سلسلة حلقات برنامج نهج الحياة الذي يأخذنا وإياكم الى رحاب القرآن الكريم وآياته المباركات، وكنا قد أنهينا تفسير 39 آية من سورة ابراهيم (ع)، والآن نستمع الى تلاوة الآية الأربعين والحادية والأربعين من هذه السورة حيث يقول تباركت أسماؤه:
رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴿٤٠﴾
رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ﴿٤١﴾
يستفاد من كتب التفسير وقصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أن سيدنا ابراهيم (ع) بعد ما جاء بأمته هاجر وولده اسماعيل (ع) الى أرض الحجاز ومكة تحديدا،ً وكانت أرضا جرداء لا زرع فيها ولا كلأ ولا ماء، رفع يده بالدعاء الى الخالق العظيم رب السموات والأرضين وقال ربي لقد آتيت بهما الى هنا ليقيموا لك الصلاة.
وهنا يدعو ابراهيم (ع) ربه أن يجعله وذريته وأولاده من المصلين وأن يقبل تعالى منهم صلاتهم ودعائهم.
أجل، إن جميع الأنبياء والرسل عليهم السلام، الذين بعثهم الله تعالى لهداية الإنسانية أخذوا على عاتقهم مهمة إشاعة ثقافة الصلاة في المجتمع على أن الصلاة هي عمود الدين، ومن أقامها، أقام دينه ومن تركها هدم دينه.
وفي كل الشرائع جاء أمر بالصلاة وهي معراج المؤمن وهي النهر الجاري الذي يطهر النفس من الأدران وهي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر.
وقد قال الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع): (تعاهدوا أمر الصلاة وحافضوا عليها واستكثروا منها وتقربوا بها فإنها كانت على المؤمنين كتابا موقوتا).
وعودة الى النص الشريف حيث نلاحظ أن سيدنا ابراهيم (ع) يدعو الله كثيراً، حيث الدعاء للآخرين من الأقرباء وغيرهم، وفي هذا دلالة على استحباب شمولية الدعاء للجميع.
وما يستفاد من هذا النص الشريف:
- إن من علائم العبودية لله تعالى، الدعاء والتضرع في حضرته المقدسة، وفي هذا الدعاء إذعان بعظمة الخالق المتعال والإحتياج اليه جل جلاله.
- لابد أن يتضمن الدعاء، دعاءاً للماضين من الآباء والأجداد ودعاءاً للآتين، أي الأبناء والأحفاد.
ويقول تعالى في الآيتين الثانية والأربعين والثالثة والأربعين من سورة ابراهيم:
وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّـهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴿٤٢﴾
مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ۖ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ﴿٤٣﴾
بعض الآيات التي سبقت هاتين الآيتين كانت تتضمن أدعية لسيدنا ابراهيم (ع)، لكن في هذا النص يتوجه الخطاب الى النبي الأكرم سيدنا محمد (ص) وسائر المؤمنين. وتبين الآيتين أن الله تعالى يرى بعينه التي لا تنام ظلم الظالمين وإنه تعالى إذا لم ينزل عليهم العذاب لا بمعنى أنه غفل عنهم، حاشاه، فالله ليس بغافل عمايعمل الظالمون، بيد أن إرادته وحكمته شاءتا أن يمهل الكفار والظالمين؛ نعم، إنه تعالى يمهل ولا يهمل وإن العذاب لآت على الكفار والظالمين يوم الحساب. (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين).
نعم، العاقبة للمتقين والنار للعاصين والجنة للشاكرين ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم.
على أي حال إن الإنسان قد خلق مختاراً وإذا ما صدرت عنه المعصية فهي بمحض إرادته، إذ الفعل أيا كان من خير أو شر، ليس مخلوقاً لديه كما يتصور الأشاعرة مثلاً، وهو ليس مفوضاً بالكامل كما تذهب الى ذلك المعتزلة، ذلك أن أفعال الناس لا جبر ولا تفويض، إنما أمر بين أمرين، وهذا مختار مدرسة أهل البيت عليهم السلام، كما نص على ذلك الإمام جعفر الصادق عليه الصلاة والسلام، وكيفما كان الأمر فإن المعاصي إن كثرت في المجتمع رأينا نزول البلاء الإلهي عليه، وهذا هو إنما من فعل الناس، وما ربك بظلام للعبيد.
وما نتعلمه من هذا النص هو:
- إن الله تعالى عالم قادر عادل وليس غافلاً عن أفعال الظالمين كما يتصور الناس، نعم أليس القرآن الكريم يقول (مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها).
- إن حكمة الله تعالى، الإمهال لا الإهمال، فلا يتصور أحد أنه تعالى يرضى على عمل السوء، إنما لكل عمل حساب في يوم الحساب.
والآن نستمع الى تلاوة الآيتين الرابعة والأربعين والخامسة والأربعين من سورة ابراهيم عليه السلام:
وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ ۗ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ ﴿٤٤﴾
وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ ﴿٤٥﴾
يستفاد من هذا النص الشريف أن العذاب الإلهي إذا ما نزل على العاصين والمذنبين في الدنيا، فإنه لا إمهال فيه. وثمة نقطة مهمة لابد من الإشارة اليها هنا وهي أن الإيمان حين نزول العذاب لاقيمة له لأنه ليس واقعياً لاينبع من القلب وليس بقائم على أساس رصين، إنما هو ايمان بدافع الخوف، ولنا أن نسميه إيمانا صورياً.
ويخاطب هذا النص المبارك اولئك الذين اقتفوا آثار الأمم السالفة دون أن يأخذوا منها الدروس والعبر، واقتفاء أثرهم هنا يعني تقليدهم تقليداً أعمى؛ نعم، إن ما يلاحظ أن البعض يتصور أنه في هذه الدنيا أزلي لايموت و هذا تصور خاطيء وهو من مصاديق عدم الإعتبار من الماضين الذين بادوا وانتهوا.
وما يمكن أن نتعلمه هنا هو:
- أنه لآت ذلك اليوم الذي يندم فيه المجرمون، لكن ما جدوى هذا الندم حيث لاتقبل التوبة من مثل هؤلاء، حتى أن الإنسان العاصي ليتمنى أن لايكون قد خلق ويقول الكافر ياليتني كنت تراباً.
- إن سنن الله تعالى في المجتمع والتاريخ ثابتة لا تغيير فيها، وما أجدر الإنسان أن ينظر في تاريخ الماضين منهم يأخذ الدروس والعبر.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يأخذ بأيدينا الى سبيل الرشاد وينأى بنا عن الغواية والضلال ويجعل عاقبة أمورنا الى خير؛ والسلام خير ختام.