بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة والسلام على نبي الرحمة وإمام الهدى ابي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الصفوة الأخيار، وسلام من الله عليكم حضرات المستمعين الأكارم حيثما كنتم وأهلا بكم الى مائدة القرآن الكريم نتناول منها ما لذ وطاب من ثمار كلام الحق المبين إذ فيه للقلوب النور وللأبصار، البصيرة.
والآن نستمع الى تلاوة الآيتين الثامنة والعشرين والتاسعة والعشرين من سورة ابراهيم:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ﴿٢٨﴾
جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا ۖ وَبِئْسَ الْقَرَارُ ﴿٢٩﴾
إن هذا النص الشريف يحدثنا عن القادة والحكام الظالمين والفاسدين الذين يجرون بكفرهم وضلالهم مجتمعاتهم الى الضلال والهلاك أو كما عبر القرآن الكريم دار البوار. إن مثل هؤلاء الكفار يروجون الكفر والشرك في المجتمع ويحاربون الإيمان والتوحيد فيه.
ويدعي مثل هؤلاء الحكام الفاسدين والكفرة إن ما يفعلوه هو لحفظ تراث الأولين، والحق أنهم يقلدون أسلافهم الجبابرة التقليد الأعمى البغيض فيجرون المجتمع الى الهاوية ويبعدونه عن طريق الحق.
وكثير من الناس تبهرهم بهارج الدنيا وزخرفها ولذلك نراهم يسيرون وراء هؤلاء المنحرفين ظنا منهم أن طريقهم هو الحق، بينا طريق الحق هو سبيل الأنبياء والرسل العظام عليهم أفضل الصلاة والسلام.
ومن الطبيعي أن دار البوار لهؤلاء ليس في الدنيا فقط بل في الآخرة أيضا، حيث النار والعذاب وسوء الحساب وسوء المصير.
وما يفيده لنا هذا النص:
- إن أي تحريف أو تبديل لآيات الله ونعمه هو الكفر بعينه حتى وإن كان بإسم الدين.
- إن الكفر والظلم هو دمار الإنسان والمجتمع في الدارين الدنيا والآخرة.
ويقول تعالى في الآية الثلاثين من سورة ابراهيم:
وَجَعَلُوا لِلَّـهِ أَندَادًا لِّيُضِلُّوا عَن سَبِيلِهِ ۗ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ ﴿٣٠﴾
كما مرت الإشارة منا فإن القادة الفاسدين يكفرون بنعم الله تعالى ويجرون المجتمعات نحو الفساد والرذيلة.
ويأتي هذا النص ليبين أن الحكام الفاسدين يأمرون الناس بإطاعتهم بدلا من طاعة الله تعالى وجعلوا من أنفسهم شركاء لله العزيز الحكيم. وجاء التعبير القرآني بلغة الند وجمعها أنداد، حيث قال تعالى – وجعلوا لله اندادا ليضلوا عن سبيله- وما جدوى الطغيان في الدنيا ذلك إن له في الآخرة الحسرة والخسران وسوء العذاب.
وكما قال الشاعر؛
أين الملوك وأبناء الملوك إلا ما ساء ما فعلوا
وما يفيده النص هنا:
- أن أي نظام أو قانون في قبال قانون الله وتشريعه هو نوع من الشرك ومن لا يحكم بما أنزل الله فاولئك هم المشركون وهم الكافرون والفاسقون كما نصت على ذلك آيات الله البينات.
- ليس الرفاه في الدنيا دائما دليل رحمة الله فقد يكون من علائم سخطه.
والآن نستمع الى تلاوة الآية الحادية والثلاثين من سورة ابراهيم:
قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ ﴿٣١﴾
يخاطب الله تبارك وتعالى في هذه الآية الكريمة، سيد رسله وخاتم أنبياءه نبينا محمد بن عبد الله (ص) ويدعوه الى هداية الناس الى سبيل الرشاد وإقامة الصلاة وايتاء الزكاة.
وإذا كان حكام الجور والطغاة يدعون الى الكفر والشرك فإن الأنبياء عليهم السلام يدعون الى الإيمان والتوحيد وهكذا هي دعوة رسول الهدى والرحمة.
إن الدنيا دار الإختبار أما الآخرة فهي دار الحساب والثواب والعقاب إذ أن المهم في الحياة الآخرة هو العمل الصالح أو بعبارة أخرى أن العمل الصالح في الدنيا له عواقبه الإيجابية في الآخرة أما العمل الطالح في الدنيا فله مردوداته السلبية في الآخرة، ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره.
وكما استمعتم فإن في النص الشريف إشارة الى الإنفاق في السر والعلانية وبالطبع فإن الإنفاق سرا خير من الإنفاق علانية، لكن في بعض الأحيان يبدو الإنفاق العلني أمرا ضروريا إذ فيه تعليم وتشجيع للآخرين على الإتيان بخصلة أخلاقية حسنة.
ويرى بعض المفسرين أن الدعوة الإلهية الى الإنفاق سرا وعلانية إنما جاءت لبرمجة موارد الإنفاق ولتوضيح هذا القول نقول أن الخمس والزكاة الواجبة يجب دفعها علنا بينما المستحبات من موارد الإنفاق لابد من اتيانها سرا.
ومن الواضح أن الإنفاق لا يقتصر على المال أو النقود وحسب بل يتعدى الى أشياء أخرى وما أجمل هذه الروح الكريمة لدى الإنسان أن يكون عونا لأخيه الإنسان.
إن أهل البيت الأطهار عليهم السلام هم المثل الأسمى في الإنفاق على الفقراء والمساكين ولنذكر هنا مثلا واحدا من أعمال هؤلاء الطيبين عليهم الصلاة والسلام، حيث يروى أن الإمام سيد الساجدين وزين العابدين عليه السلام كان يحمل على ظهره الشريف أكياس المعونات الى الفقراء والمساكين ويوزعها عليهم في جوف الليل.
والى الدروس والعبر من النص المبارك فهي:
- إن العبودية لله تعالى هي وسام فخر واعتزاز على صدور المؤمنين، فالتوحيد هو تحرير الإنسان من كل قيود الأسر المادي والدنيوي.
- إن الإسلام دين جامع تتوافر فيه كل قوانين تنظيم حياة الإنسان وعلاقته بربه وبالمجتمع. فالصلاة رابطة بين الإنسان وربه أما الزكاة فهي علاقة الإنسان بأخيه الإنسان.
- لتكن تجارتنا مع الله تعالى لكي نفوز بالرفعة في الدنيا وحسن العقبى في الآخرة ويوم الحساب الذي لا بيع فيه ولا تجارة.
جعلنا الله واياكم من المصلين المزكين آمين يا رب العالمين والسلام على من اتبع الهدى.