بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأتم الصلاة وأزكى التسليم على سيد الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين.
السلام عليكم مستمعينا الأكارم وأهلا بكم في حلقة أخرى من سلسلة حلقات نهج الحياة، حيث نواصل تفسيرنا الموجز لآيات أخرى من سورة ابراهيم، وكنا قد قدمنا تفسيرا للآيات الست الأولى من هذه السورة المباركة.
والآن نستمع الى تلاوة الآيتين السابعة والثامنة، حيث يقول تعالى:
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴿٧﴾
وَقَالَ مُوسَىٰ إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّـهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴿٨﴾
ذكرت الآية السابقة إن نبي الله موسى عليه السلام حث قومه، بني اسرائيل، على شكر الله تعالى إن أنجاهم من عذاب آل فرعون.
ويأتي هذا النص القرآني الكريم ليبين قاعدة أساسية في شكر النعم أو كفرانها، فشكر النعم يزيدها وكفرانها ينقصها ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وبالطبع فإن شكر الباري تعالى له مراتب عدة؛ فقد يكون الشكر باللسان كذكر الله تعالى والدعاء، وقد يكون الشكر بالعمل الصالح مثل الإنفاق في سبيل الله كسبا لرضاه جلت عظمته. وعلى سبيل المثال فإن استخدام الجوارح والحواس بما فيه رضى الله هو نوع من أنواع الشكر، مثل الإستفادة من حاسة البصر في دراسة العلوم وتعلمها، على أن طلب العلم هنا لابد أن يكون لخدمة الخلق لا للإستفادة غير المشروعة لا قدر الله.
إن الإنسان إذا ما أيقن أن ما لديه من علم وثروة هو من الله فهو في الحقيقة قد شكر الله تعالى حيث أقر بأن ما في يده هو من نعم الله عليه، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها لكثرتها والحمد لله رب العالمين.
وفي المقابل فإن من كفران النعم، عدم الإستفادة منها في الطرق المشروعة. ويستفاد من بعض الروايات أن الله تعالى أوحى نبيه موسى عليه السلام أن أشكر لي، فجاء الجواب من موسى عليه السلام بأنه لا يقدر على ذلك أن أي شكر لابد أن يتبع بآخر.
وجاء الجواب من ذات القدس الربوبي بما يعني أنه الشكر بعينه يا موسى لأنه عليه السلام أيقن بكثرة نعم الله تعالى عليه.
ومن الطبيعي إن الله يزيد الشاكرين من نعمه ومن يكفر بها فإن له عذاب شديد.
وما يستفاد من هذا النص القرآني المبارك هو:
- من سنن الله تعالى أن الشكر يزيد النعم، أما الكفران فإنه يزيد العذاب.
- إن الله تعالى ليس بحاجة الى شكر العباد، ومن هنا فإن روح الشكر تنمي في الإنسان خصلة أخلاقية رفيعة وهكذا من جانب آخر وتزيد النعم عليه.
والى الآية التاسعة من سورة ابراهيم:
أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ ۛ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ ۛ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّـهُ ۚ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ﴿٩﴾
توضح هذه الآية ما وصل اليه أعداء الأنبياء على طول التاريخ من عداء لله وعناد للشرائع والقوانين الإلهية السامية.
حيث أن المعاندين من الناس يبقون على جحودهم للحق حتى بعد رؤية الأدلة والبراهين والمعجزات على أيدي الأنبياء عليهم السلام، وهل بعد الحق شيء؟ إن الكفار والمعاندين ما كانوا ليتورعوا عن أي حركة لإسكات صوت الحق حسبما كانوا يزعمون، حيث كانوا يضعون أيديهم على أفواه بعض الأنبياء لكي لا تصدر من هذا المنبع الصافي كلمات البصيرة والصلاح والإرشاد، ألا ساء ما كانوا يفعلون.
وقد يكون الشك في بعض الأحيان مقبولا، هذا بشكل عام لكن بعد قيام الأدلة والبراهين، ليس هناك للشك مكان والأنبياء عليهم السلام جاءوا بالأدلة والبراهين فلماذا الشك في رسالاتهم إذن؟
ومن يشك في مثل هذه الحالة يكون كمن رأى الشمس وشك في وجودها؛ وحسب التعامل العقلي مع الأمور فإن الشك إذا كان في محله طبعا قد يقود الى اليقين وتشدان الحقيقة وهذا هو المطلوب. وفي هذا ضمان لحماية الإنسان أمام ما يطرأ من شبهات في المستقبل. وما نتعلمه هنا:
- إن دراسة أحوال الماضين فيه الدروس والعبر للأجيال القادمة حتى تدل على سبيل الرشاد وتسلكه.
- إن شك الكفار في أحقية الأديان هو على أساس واهي وهو العناد وهذا النوع من الشك في أي حال من الأحوال لا يرقى الى الشك الذي يقود الى اليقين بعد الدراسة والتفحص.
وآخر آية نتلوها على مسامعكم في هذه الحلقة هي الآية العاشرة من سورة ابراهيم، إذ يقول أصدق القائلين:
قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّـهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ قَالُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴿١٠﴾
كما ألمعنا فإن الكفار ما كانوا يسمحون لنبي الله أن يبين كلامه وكان الأنبياء عليهم السلام يؤدون واجبهم الإلهي مع كل الظروف الصعبة التي يمرون بها ولسان حالهم يقول إذا كان من سبيل لإنكارنا فهل من سبيل لإنكار الله تعالى؟
فالله تعالى هو خالق الإنسان وهاديه الى الصراط المستقيم وإنه تعالى مع كل هذا يمهل الكفار وباب توبته مفتوح، لكنه تعالى لا يهمل فإذا تمادى الكافر في غيه ولم يعودوا الى فطرته، بعد أن لوث نفسه ببراثن العناد فليس هناك إلا العذاب هذا هو مصير الكافرين ولبئس المصير لقد كان الكفار يشكلون على الأنبياء عليهم السلام بالقول أنهم بشر مثلنا. ثم أنهم كانوا يقولون ما الدليل الذي يقودنا الى نبذ ديانات آباءنا الأولين.
ومن الواضح هنا أن هذا النوع من التعامل يعكس حالة من التقليد الأعمى بمنأى عن البصيرة الثاقبة.
وعلى أي حال من أين لنا أن نعرف أن الحق كان مع السالفين من الأمم؟ وهل أن كل فعل الماضين يكون صحيحا؟
ولو كان الأمر كذلك فإن الجميع يسيرون وفق سنن الأولين وفي هذا الجمود والتحجر.
والى ما نتعلمه من هذا النص فهو:
- إن دعوة الرسل والأنبياء عليهم السلام هي للتطهر من الذنوب والآثام ومن غرق في بحر هاتين يصعب إنتشاله منه.
- إن المسلمين هم على جادة الحق، ومن هنا فإنه لا مكان في الدين الإسلامي الحنيف للتعصبات العرقية والقومية.
غفر الله لنا ولكم والسلام على من اتبع الهدى.