بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي خير خلق الله سيدنا رسول الله وآله الطاهرين.
أسعد الله اوقاتكم بالخير حضرات المستمعين الأكارم، وأهلا بكم في حلقة أخري من نهج الحياة.
أيها الأكارم، حتي الآن عرضنا تفسيرا موجزا لعشر آيات من سورة يوسف (ع)، وفي هذه الحلقة نتناول تفسير آيات أخري ونبدأ بالآيتين الحادية عشرة والثانية عشرة حيث يقول تعالي:
قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ ﴿١١﴾
أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴿١٢﴾
مر علينا في الآيات السابقة أن إخوة يوسف (ع) قرروا في البداية قتل أخيهم والتخلص منه بعد أن رأوا حب أبيهم المتزايد له والذي أشعل في نفوسهم نار الحسد والغيرة، إلا أنهم من بعد ذلك غيروا خطتهم واجتمع أمرهم علي تغييب يوسف في البئر.
ذهب الأخوة الي ابيهم يعقوب وقالوا له مامؤداه لماذا تجعل بيننا وبين يوسف حاجزا ونحن له من المقربين وكان إن طلب الأخوة من أبيهم أن يسمح لهم باصطحاب يوسف معهم، حيث هم للأرض يزرعون ويوسف الي جانبهم يلعب، إن حاجة الطفل أوالشاب اليافع الي الرياضة والتسلية كان الدليل الذي بواسطته أقنع إخوة يوسف أباهم ليسمح بذهاب يوسف معهم وهكذا استجاب يعقوب (ع) لرغبة إخوة يوسف (ع).
إن مانستفيده من هذا النص القرآني المبارك الآتي:
- لا ينبغي قبول أي إدعاء إلا بعد التأكد من صحته، إخوة يوسف ادعوا الأمانة وهم كانوا من الخائنين.
- إن الحسد يدفع الإنسان الي الكذب حتي علي أقرب الناس اليه وخداعه.
- الرياضة والتسلية من حاجات الشباب لكن من دون أن يكون لها مردود سلبي.
ويقول تعالي في الآية الثالثة عشرة من سورة يوسف (ع):
قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ﴿١٣﴾
إن يعقوب (ع) كان نبيا من أنبياء الله، وهو في ذات الوقت كان والدا رؤوفا ليوسف (ع) وإن رابطة الأبوة هي التي كانت تحول عنده دون ابتعاد يوسف عنه بيد أن يوسف (ع) كان صبيا وكان عليه أن يبدأ الإعتماد علي نفسه ومن هنا سمح الأب لإخوته باصطحابه الي الصحراء.
وبشكل عام لابد من القول استلهاما من تعامل يعقوب مع إخوة يوسف، إنه لاينبغي أن يكون الصبي أوالشاب حبيس الدار لمجرد احتمال وقوع الخطر. ومن الناحية النفسية والتربوية فإن الوصول الي مرحلة الاستقلال في الحياة الاجتماعية أمر لابد من أخذه بعين الاعتبار مع احتفاظ الآباء بجهم الأبناء وفي حال مااحتمل الآباء وقوع الخطر فإنه لابد من تنبيه أبنائهم الي ذلك.
وما يمكن أن تفيده لنا هذه الآية:
- في تربية الأبناء لابد من رعاية أمرين هما:
- إعداد الأجواء لإستقلال الأبناء.
- التعريف بالأخطار التي قد تحدق بالأبناء.
- ان اغفال المخاطر قد تنتهي بالخطر الفادح الذي لايمكن جبره.
وإلي الآية الرابعة عشرة من سورة يوسف (ع):
قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ ﴿١٤﴾
إن إخوة يوسف قد خططوا كما مر للتخلص من أخيهم. لكن عندما أوجس الأب خيفة من أن ينال الخطر يوسف كان تصورهم أن انقاذه يكون بمقدرتهم الجسمية وعلي أي حال لقد تمكن هؤلاء من اقناع ابيهم في خروج يوسف معهم. لكن ثمة نقطة لابد من الإشارة إليها هنا وهي بمثابة القاعدة العامة وهي أن القوة لا تلازم الأمانة دوما، فإخوة يوسف (ع) كانوا أقوياء إلا أنهم لم يكونوا أمناء. وكان يعقوب قد شعر بما يجول في قلوب أبنائه تجاه يوسف، لكن ما كان له سبيل لإثبات ذلك.
أما ما تعلمه إيانا هذه الآية فهو:
- الشباب يغترون بقوتهم الجسمانية لكنهم لا يكترثون بالمخاطر التي قد تحدق بهم. أما الكبار فهم أكثر دركا وأقدر درءا لها.
- إن البعض ومن أجل الوصول الي غاياتهم الدنيئة لا يتورعون عن فعل أي شيء، إنهم بالخداع والمكر يخاطرون بماء وجههم دون أن يكون هذا مهما عندهم.
وفي الآية الخامسة عشرة من سورة يوسف يقول تعالي:
فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿١٥﴾
لقد تحقق لإخوة يوسف ما أرادوا واصحبوا يوسف معهم، وفي الصحراء ألقوه في بئر أو كما يعبر القرآن؛ غيابة الجب.
لقد وضع إخوة يوسف (ع) أخاهم في مكان في جدار بئر كي لا يموت عطشا ولا تفترسه الحيوانات وكات خطتهم ترمي الي أن يصطحب يوسف (ع) مع قافلة تمر من هناك أو كما يعبر القرآن عنها السيارة وأوحي الله تعالي الي يوسف أن لا يحزن وهو علي هذه الحال حيث ستمد له يد الإنقاذ بإذن الله وأن القدر سوف يسير بأيامه وأعوامه ويلقي يوسف (ع) إخوته ويخبرهم بما كانوا قد فعلوا معه.
ولنا في هذا النص الدروس التالية:
- إن الوحي الإلهي علي نوعين وهي منزل عبر الملك الموكل بهذا الأمر كما هو الحال في جبرائيل (ع) ووحي إلهامي، والكثير من الأنبياء (ع) اوحي لهم وحي إلهامي، علي أن هذا الوحي قد يمن الله به علي غير الأنبياء كذلك، كما هو الحال عند يوسف حينما كان في البئر إذ لم يكن آنذاك نبيا.
- أن الأمل بالمستقبل هو أفضل رأس مال لديمومة الحياة وأن الله تعالي بإلهامه بعث الأمل في نفس يوسف (ع)، ويحضرنا هنا قول للطغراني وهو:
مـا أضيق العــــــيش لولافســــــــحة الأمل
- في الشدائد والمحن والآفات لابد من التطلع بعين الأمل الي ذات القدس الإلهي وأن لا يجعل أحدنا لليأس سبيلا الي نفسه.
هكذا أنهينا أيها الأفاضل تفسير الآية الخامسة عشرة من سورة يوسف (ع) ولنا عودة الي هذه السورة بإذن الله طبتم وطابت لكم الأوقات والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.