بسم الله الرحمن الرحيم اللهمّ لك الحمد حمد الشاكرين، بك نستعين وعليك نتوكل يا ربّ العالمين. والصّلوة والسلام على حبيبك ووصيك وخيرة خلقك النبي الخاتم محمّد وعلى آله الطاهرين.
إخوة الإيمان السلام عليكم وأهلاً بكم جميعاً في لقاء قرآني جديد من برنامج نهج الحياة لنتابع فيه تفسير سورة الأنعام المباركة.
نستهل اللقاء، بهذه التلاوة العطرة للآيتين خمس عشرة وست عشرة من هذه السورة:
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم
قل إني أخاف إن عصيت ربّي عذاب يوم عظيم. من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين
هاتان الآيتان قد أوحى بهما الخالق سبحانه وتعالى على محمد (ص) تعقيباً لما اقترحه مشركو مكة على النبيّ (ص)، إذ قيل إنهم قالوا يا محمد تركت ملّة قومك وقد علمنا أنه لا يحملك على ذلك إلا الفقر فإنا نجمع لك من أموالنا حتى تكون من أغنانا.
وهنا يخاطب الله رسوله الأمين بما مضمونه قل يا محمد لهؤلاء المشركين تعدوني بالدنيا بينما أنا أخاف حساب يوم القيامة- فعاقبة أي تقاعس، او إهمال وقصور في أداء الرّسالة أو كتمانها وتحريفها عذاب عظيم لا أقوى على تحمله والصبر عليه.
في ضوء ما تقدم، عى المسلمين ان يتذكروا مقابل تطميع الآخرين وما يعدون به –يوم القيامة ويخافوا العذاب العظيم- قيل في معنى (إني أخاف) أوقن وأعلم، وقيل هومن الخوف (إن عصيت ربي) بترك أمره وترك نهيه وقيل بعبادة سواه جلّ وعلا وقيل باتخاه غير وليا (عذاب يوم عظيم) يعني يوم القيامة ومعنى العظيم هنا انه شديد على العباد وعظيم في قلوبهم.
و(من يصرف) العذاب (عنه يومئذ فقد (رحمه) الله يريد من غفر له فانه يثيبه الله لا محالة. وذكر سبحانه الرحمة مع صرف العذاب لئلا يتوهم انه ليس له إلا صرف العذاب عنه فقط (وذلك الفوز)، أي: الظفر بالبغية (المبين) الظاهر المبين. وقد يكون معنى الآية، انه لا يصرف العذاب عن أحد إلا برحمة الله كما روي أنّ النبي (ص) قال والذي نفسي بيده ما من الناس أحد يدخل الجنة بعمله. قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا انا إلاّ أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل.
مما تقدم نعي، أن:
- قوانين العقاب الإلهي سارية سواسية على الجميع، بمن فيهم الرسول (ص)
- الخوف من العقاب الالهي –محمود وفي محله- خلافاً للخوف من قدرة الطواغيت والبشر.
- الخطر، موجه للجميع وما يبقى للإنسان إلا رحمة الله التي تقيه الخطايا والذنوب أو تمهد له التوبة والمغفرة مما ارتكب منها.
والآن نستمع لقوله تعالى والآيتين المباركتين سبع عشرة وثماني عشرة من سورة الأنعام:
وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلاّ هو وإن يمسسك بخير فهو على كلّ شيء قدير. وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير
عطفاً على ما سبق من الآيات الدامغة لوعود المشركين الدنيوية تقول الآيتان السابعة عشرة والثامنة عشرة من السورة على لسان الله مخاطباً الرسول صلى الله عليه وآله مبيناً أنه لا يملك ألنفع والضر إلا هو سبحانه: يا محمد (وإن يمسسك الله بضر)، أي: بفقر او مرض أو مكروه فلا مزيل ولا مفرج له عنك إلاّ هو ولا يملك كشفه سواه مما يعبده المشركون (وإن يمسسك بخير)ـ أي: إن يصيبك بغنىً أو سعة في الرزق او صحة في البدن أو شيء من محاب الدنيا (فهو على كل شيء) من الخير والضر (قدير) ولا يقدر سواه تعالى شأنه على دفع ما يريده لعباده من مكروه او محبوب او هو القاهر) ومعناه القادر على أن يقهر غيره (فوق عباده) معنى فوق فهنا قهرة واستعلاؤه عليهم. فهم تحت تسخيره وتذليله بما علاهم به من الإقتدار الذي لا ينفكّ منه أحد. (وهو الحكيم الخبير)، أي أن سبحانه تعالى مع قدرته عليهم لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة ... والخبير العالم بالشيء، أي: العالم بما يصح ان يخبر به. والخبر طريق من طرق العلم. فاذا كان القاهر كما تقدّم بمعنى القادر صح وصفه سبحانه فيما لم يزل بأنه قاهر.
تؤكد الآيتان:
- وجوب ان تكون الآمال كلها بالله، والمخاوف كلها من الله أيضاً، فالامور كلها بيد الله وحده لا غير.
- الا نخشى إلا الله إذ لا قدرة لسواه، فلا خوف الا من الله القادر على كل شيء وعلى كل أحد.
- لا قيمة لاي قدرة ولا يعول عليها ما لم تكن معززة بالحكمة وملازمة لها. الآية (وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير) تطرح قدرة الخالق سبحانه وتعالى إلى جانب العلم والحكمة.
الآية تسع عشرة من سورة الأنعام، نستمع معاً:
قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحى إليّ هذا القرآن لانذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله الهة أخرى قل لا اشهد قل إنما هو إله واحدٌ وإنني بريء ممّا تشركون
أتى مشركو مكة الرسول (ص) قائلين، يا محمد ما من احد يصدقك ويقر برسالتك، حتى اهل الكتاب من يهود ونصارى- فانزل تعالى الآية التي إستمعنا إليها نواً، وهي:
(قل) يا محمد لهؤلاء الكفار (أي شيء أكبر) وأعظم (شهادة) وأصدق حتى آتيكم به وادلكم بذلك على اني صادق، فإن قالوا الله، والا فقل لهم الله شهيد بيني وبينكم يشهد لي بالرسالة والنبوة. وقيل: معناه يشهد لي بتبليغ الرسالة إليكم وتكذيبكم إيّاي (وأوحي لي هذا القرآن)، أي: أنزل لي حجّة أو شهادة على صدقي (لأنذركم به) وأخوّ فكم من عذاب الله (ومن بلغ)، أي: ولا خوف به من بلغه القرآن إلى يوم القيامة.
فقد بلغه، يعني: بلغته الحجة وقامت عليه. وقيل: من بلغه القرآن فكأنما رأى محمداً وسمع منه صلى الله عليه وآله.
في الآية دلالة على أنّ الله تعالى قد يسمي شيئاً لأنّ قوله قل أي شيء اكبر شهادة جاء الجواب قل الله، ومعنى الشيء انه ما يصح أن يعلم ويخبر عنه. فالله سبحانه شيء لا كالأشياء بمعنى أنه معلوم لا كآلمعلومات التي هي الجواهر والأعراض والإشتراك في الإسم لا يوجب التماثل. وفي قوله ومن بلغ دلالة على أنه صلى الله عليه وآله خاتم الانبياء ومبعوث إلى الناس جميعاً.
ثم قال سبحانه موبخاً لهم قل يا محمد لهم (أئنكم لتشهدون أنّ مع الله الهة أخرى) هذا إستفهام بمعنى الجحد والإنكار وتقديره كيف تشهدون أنّ مع الله آلهة اخرى بعد وضوح الأدلة وقيام الحجة بوحدانية الله تعالى. ثم قال سبحانه لنبيه: (قل) أنت يا محمد (لا أشهد) بمثل ذلك وان شهدتم باثبات الشريك لله بعد قيام الحجة بوحدانية الله تعالى.
ثم قال: (قل ) أي يا محمد لمن شهد أنّ معه آلهة اخرى (إنما هو إله واحد وأنني بريء مما تشركون) به وبعبادته من الأوثان وغيرها.
تفيدنا الآية:
- القرآن لاعظم شاهد على حقانية محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
- رسالة نبي الإسلام، رسالة عالمية خالدة وموجهة للبشرية كافة إلى قيام الساعة.
- على المؤمنين والصالحين –بعد عصر الرسالة ورحيل النبي الاكرم (ص)- إبلاغ دين الله لعموم الناس- فانهم غير مكلفين ولا يتحملون أية مسئولية دينية ما لم يتم تبليغهم بكلام الله وما جاء به الرسول.
لزوم إعلان الولاء للدين والنبي المرسل وكذلك البراءة من الشرك والمشركين.
انتهت الحلقة بعونه تعالى على امل اللقاء بكم في حلقة اخرى من برنامج نهج الحياة نستودعكم الله والسلام عليكم.