البث المباشر

تفسير موجز للآيات 10 الى 14 من سورة الانعام

الأحد 2 فبراير 2020 - 13:07 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: 190

بسم الله الرحمن الرحيم اللهمّ لك الحمد حمد الشاكرين.. بك نستعين وعليك نتوكّل يا ربّ العالمين.. والصّلوة والسلام على صفيك وخيرة خلقك محمّد وعلى آله الطاهرين.

مستمعينا الكرام، السلام عليكم وأهلاً بكم في برنامج نهج الحياة، وحلقة هذا اليوم لمتابعة تفسير سورة الأنعام المباركة.

فبادئ ذي بدء، نشنف أسماعنا بهذه التلاوة المباركة للآية رقم عشرة من السورة:

ولقد استهزىء برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون

 

في الحلقة السابقة، ذكرنا أنّ المعاندين كانوا يرفضون الحق- ويتعذرون بذرائع شتى تنصلاً عن الايمان، ويقولون: لماذا لا ينزل على النبيّ ملك ليشهدله بنبوّته ونرى ذلك نحن بأعيننا!

رداً على هذا الطلب غير المعقول تقول الآية هذه على لسان آلرّبّ الكريم ما مضمونه يا محمّد –كم من أمم وأقوام رفضت الحق بل وسخرت منه وقد واجه من سبقك من الأنبياء والرسل مثل هذه الأمم والأقوام، فأصبر ودع الأمر لله الخالق، ليذوقوا عذابي في الدنيا أم في الآخرة- ويعلموا أن ما سخروا انما كان الحق والحقيقة بعينها. وقيل، معنى حاق بهم: أحاط بهم، أي: أحاط بهم العذاب الذي هو جزاء إستهزائهم. فهو من باب حذف المضاف إذا جعلت ما في قوله جلّ وعلا ما كانوا به يستهزئون عبارة عن القرآن والشريعة، وإن جعلت ماعبارة عن العذاب الذي كان يعدهم به النبيّ إن لم يؤمنوا استغنيت عن تقدير حذف المضاف ويكون المعنى، فحاق بهم العذاب الذي كانوا يسخرون من وقوعه.

نتعلم من هذه الآية:

  • لا منطق –لمناوئي الحق- ان اسلوبهم هو التحقير والإستهزاء بالحق وطلابه.
  • تجنب المواجهة المهينة والإستهزاء بالغير –فهذه الطريقة القبيحة والمشينة هي طريقة الكفار والمشركين.

والآن، نبقى ولو لحظات مع هذه التلاوة العطرة للآية إحدى عشرة من سورة الأنعام:

قل سيروا في الأرض ثمّ انظروا كيف كان عاقبة المكذبين

 

هنا خاطب الله نبيّه محمداً صلى الله عليه وآله، بما معناه: يا محمّد قل لهؤلاء الكفّار سيحوا في الأرض فانظروا وأبصروا كيف كان عاقبة المكذبين المستهزئين. وانما أمرهم بذلك لأن ديار المكذبين من الامم السالفة كانت باقية وأخبارهم في الخسف والهلاك كانت شائعة. فاذا سار هؤلاء في الارض وسمعوا أخبارهم وعاينوا آثارهم دعاهم ذلك إلى الإيمان وزجرهم عن الكفر والطغيان.

تفهمنا هذه الآية المباركة:

  • إن السير والسفر في بلاد الله وأرضه الواسعة وزيارة المعالم الأثرية وديار المكذبين من الامم من قبلنا –مما أوصى به الإسلام لأجل الوقوف على أخبار السلف ومن سبقفا من الأمم والأقوام وما آل بهم الدهر- والإتعاظ بهم تمهيداً لانتهاج الطريق القويم في الحياة الدنيا مستقبلاً بما يفيد دنيانا وعقبانا.
  • فعل النظر والمشاهدة –مشترك بين الإنسان والحيوان- لكن يميز هذا عن ذاك والمشاهدة هذه عن تلك الإعتبار والإتعاظ مما تقدم.

نتابع بالإصغاء لهذه التلاوة العطرة للآيتين الثانية عشرة والثالثة عشرة من سورة الأنعام المباركة:

قل لمن ما في السموات والأرض قل لله كتب على نفسه الرّحمة ليجمعنكم إلى يوم القيمة لا ريب فيه الدين خسروا أنفسهم لا يؤمنون. وله ما سكن في الليل والنهار وهو السّميع العليم.

 

تعقيباً لما سبق من الآيات التي أوحي بها على الرّسول الخاتم صلّى الله عليه وآله وسلم والتي تقول بوجود رابط بين المبدأ والمعاد وبين بداية العالم ونهايته- وما هذا الرابط إلا الله الذي تؤمنون به وتقرون انه الربّ وملك الكون وما في الوجود.... وهو الذي خلق العالم هذا وما فيه من الكائنات برحمته الواسعة فمعنى (كتب على نفسه الرحمة) اوجب على نفسه الإنعام على خلقه وقيل الثواب لمن أطاعه جلّ وعلا او الرحمة بانظاره عباده وامهاله سبحانه وتعالى إياهم ليتداركوا ما فرطوا فيه ويتوبوا عن معاصيهم. وقيل اوجب الرحمة للمسلمين بأن لا يعذبهم عند التكذيب كما عذب من قبلهم من الامم الماضية والقرون الخالية عند التكذيب بل يؤخرهم إلى يوم القيامة. و(ليجمعنكم إلى يوم القيامة)، أي: ليؤخرن الله جمعكم إلى يوم القيامة.

فيكون تفسيراً للرحمة على ما ذكرناه ان المراد به إمهال العاصي ليتوب.

وقيل إن هذا إحتجاج على من أنكر البعث والنشور، ويقول تعالى ليجمعنكم إلى اليوم الذي أنكرتموه. وقيل معناه ليجمعنّ الله هؤلاء المشركين (الذين خسروا أنفسهم)، أي: أهلكوها بارتكاب الكفر والعناد (فهم لا يؤمنون)، أي: لا يصدقون بالحق.

ولما ذكر سبحانه وتعالى ملك السموات والارض عقبه بذكر ما فيهما فقال (وله ما سكن) بمعنى: لله الواحد القهار كل متمكن ساكن (في الليل والنهار) خلقاً وملكاً وملكاً، أي: له ما استقر في الليل والنهار من خلق. وقيل: معناه ما سكن في الليل للإستراحة وتحرك في النهار للمعيشة. وانّما ذكر سبحانه الساكن دون المتحرك لأنه اعم وأكثر ولانّ عاقبة التحرك السكون ولأن النعمة في السكون اكثر والراحة فيه أعم. وقيل أراد سبحانه الساكن والمتحرك وتقديره وله ما سكن وتحرك. إلا أن العرب قد تذكر أحد وجهي الشيء وتحذف الآخر لأن المذكور ينبه على المحذوف كقوله تعالى (سرابيل تقيكم الحر) والمراد الحرّ والبرد.

فقال (وهو السميع العليم) والسميع هو الذي على صفة يصح لأجلها أن يسمع المسموعات إذا وحدت وهو كونه حيّاً لا آفة به ولذلك يوصف به فيما لم يزل. والعليم هو العالم بوجوه التدابير في خلقه وبكل ما يصح ان يعلم.

نفهم من الآيتين الكريمتين:

  • ان قيام الساعة- ليس فقط ضرورة يوجبها عدل الله وحكمته- بل ما تقتضيه رحمته تعالى الواسعة ايضاً. وهي ان حياة الإنسان لا تنتهي بموته بل هناك ما يمكنه كذلك من الحضور في عالم آخر.
  • ان الله يكلمنا ويتحدث إلينا –وان كنا لا نرى الله ولا نسمع كلامه سبحانه وتعالى. فهو يسمع ما نقول ويرى ما نفعل.

والآن، مع هذه التلاوة العطرة للآية اربع عشرة من سورة الأنعام المباركة:

قل أغير الله أتخذ وليّاً فاطر السّموات والأرض وهو يطعم ولا يطعم قل إنّي أمرت أن أكون أوّل من أسلم ولا تكوننّ من المشركين

 

من مشركي مكة- من رأى في دعوة النبي إلى الله الواحد- انها نابعة من فقره صلى الله عليه وآله وسلم قائلين: اننا مستعدون لتقسيم أموالنا معك حتى تعزف عن دعواك هذه.

فقال الله مخاطباً رسوله الأمين: يا محمد قل لهؤلاء المشركين (أغير الله أتخذ وليّاً)، أي: مالكاً ومولى، ووليّ الشيء مالكه الذي هو أولى به من غيره. والمعنى: لا أتخذ غير الله وليّا. إلا أنّ إخراجه على لفظ الإستفهام أبلغ من سائر ألفاظ النفي. (فاطر السموات والأرض)، أي: خالق كل ذلك ومنشئه من غير احتذاء، على سبيل مثال. و(هو يطعم ولا يطعم)، أي: يرزق ولا يرزق، والمراد يرزق الخلق ولا يرزقه أحد. وقيل: أنما ذكر الإطعام لأنّ حاجة العباد إليه أشد ولان نفي الإطعام عن الله دل على نفي شبهه تعالى بالمخلوقين، لأنّ الحاجة إلى الطعام لا تجوز إلاّ على الأجسام.

وأحتج سبحانه بهذا على الكفار لأن من خلق السماوات والأرض وأنشأ ما في ذلك واحكم تدبيره وأطعم من في السموات والأرض وهم فقراء إليه معلوم هو الذي ليس كمثله شيء وهو القادر القاهر الغنيّ الحي فلا يجوز لمن عرف ذلك أن يعبد غيره جلّ وعلا.

(قل) يا محمد (إني أمرت) من قبل ربي (أن أكون أوّل من أسلم)، أي: إستسلم لأمر الله. ورضي بحكمه. وقيل، أمرني ربّي أن أكون أول من أخلص العبادة من أهل هذا الزمان. وقيل، اول من أسلم من أمتي وآمن. وانما كان أول لأنه صلى الله عليه وآله خصّ بالوحي. وقيل، ان اكون أول من خضع وآمن وعرف الحقّ من قومي وأن أترك ما هم عليه من الشرك. (ولا تكوننّ من المشركين) معطوف على ما قبله في المعنى (قل) يا محمد (إنّي أخاف إن عصيت ربيّ) بترك أمره وترك نهيه وقيل، بعبادة غيره. وقيل ، باتخاذ غيره سبحانه وليّا.

علمتنا هذه الآية المباركة:

  • لا ملاذ للإنسان في دنياه هذا إلا الله فالناس كلّهم فقراء الى الله ولا رازق لهم غير الله فكل الناس من غني وفقير، وعالم وجاهل، وكبير وصغير محتاجون إلى الله الواحد الأحد.
  • دين ما جاء به نبينا صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين – هو الإسلام وما يلزم الاسلام- التسليم لله ولاؤامره ومناهيه سبحانه تعالى شأنه.

 

نسأل البارىء عزوجل ونحن ننهي هذه الحلقة، أن يجعلنا في عداد عباده الصالحين، وان نحيا ونموت مسلمين والسلام عليكم.

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة