السلام عليكم أحباءنا ورحمة الله، وأهلاً بكم في حلقة اخرى من هذا البرنامج نفتح فيها قلوبنا على إضاءات معرفية مقتبسه مما إستفاده أعلام العرفان النقي من نصوص القرآن والسنة. في هذا اللقاء إخترنا لكم كلمات نيّرة في بيان أثر الزهد والعبادة في طي المؤمن لمعارج الكمال والقرب الإلهي، هذه الكلمات وردت في كتاب شرح المئة كلمة المنتخبة من كلمات مولى الموحدين الإمام علي عليه السلام. وشارح الكتاب هو صاحب الشروح الثلاثة القيمة لنهج البلاغة وأكثر العلماء تبحراً في كلام أمير المؤمنين عليه السلام، إنه العارف الجليل والفقيه الزاهد ميثم البحراني، المتوفى سنة ٦۷۹ للهجرة، ونكتفي في تعريفه بما قاله العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني عطر الله مرقده في رسالته المسماة بالسلافة البهية في الترجمة الميثمية والتي كتبها عن هذا العارف الجليل، قال: هو الفيلسوف المحقق والحكيم المدقق قدوة المتكلمين وزبدة الفقهاء والمحدثين كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني غواص بحر المعارف ومقتنص شوارد الحقائق واللطائف، ضم إلى الإحاطة بالعلوم الشرعية واحراز قصبات السبق في العلوم الحكمية والفنون العقلية ذوقا جيدا في العلوم الحقيقية والاسرار العرفانية كان ذا كرامات باهرة ومآثر زاهرة ويكفيك دليلا على جلالة شأنه وسطوع برهانه اتفاق كلمة أئمة الأعصار وأساطين الفضلاء في جميع الأمصار على تسميته بالعالم الرباني وشهادتهم له بأنه لم يوجد مثله في تحقيق الحقائق وتنقيح المباني. وبعد هذه المقدمة نعود الى كتاب شرح المئة كلمة لأمير المؤمنين عليه السلام، ونقرأ لهذا العالم الرباني بلورته لأجنحة السير والسلوك الى الله عزوجل، قال: "لما كان الكمال الذاتي للطالبين أنما هو شروق نور الحق سبحانه وتعالى في اسرارهم وكان الطالب لأمر عند توفيقه للطلب لابد وان يعرض عما يعتقد انه يبعده عن المطلوب ثم يقبل ويواظب على ما يعتقد انه يقربه إلى المطلوب ثم بعد ذلك يصل إلى المطلوب لاجرم لزم طالب ذلك الكمال في ابتداء امره ان يعرض عما يشغله عن المطلوب من متاع الدنيا وطيباتها، وصاحب هذا الأعراض يختص بأسم الزاهد، ثم يلزمه ان يواظب على ما يعتقد انه مقرب إلى الحق من أفعال مخصوصة هي العبادات كالصيام والقيام وبهذا الاعتبار بختص بأسم العابد، فإذا وجد الحق فأول درجات وجدانه هو المعرفة وحينئذ يختص بأسم العارف، وقد يتركب بعض هذه الأحوال مع بعض تركبا ثنائيا وثلاثيا فالأول زاهد عابد، زاهد عارف، عابد عارف" . مستمعينا الأكارم، والزهد الذي يحتاجه سالك طريق القرب الإلهي هو الزهد بمعناه الشامل كما ينبه لذلك العالم الرباني ميثم البحراني حيث يقول قدس سره: "وإنما اعتبرنا الزهد الحقيقي دون الظاهري لان الاعراض عن المشتهيات البدنية إذا كان بحسب الظاهر فقط مع ميل القلب إليها لم ينتفع به لقوله صلى الله عليه وآله ان الله لاينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم، نعم وإن كان لابد للسالك في مبدء الامر من الزهد الظاهري لان الزهد الحقيقي مشروط به واما العبادات فأجملها ما كان مشفوعا بالفكر المناسب، وفائدة ذلك أن الغرض من العبادة تذكر المعبود الحق والمجردين من الملائكة وذلك مما لايتأتى الا بالفكر فلا جرم وجب كونها مشفوعة به، وإن كان لتلك الأغراض متممات اخر ومعينات كالكلام الواعظ من قائل زكي معتقد فيه، وغير ذلك مما هو مذكور في مظانه فقد لاح حينئذ الغرض من الزهد والعبادة وكيفية تأديهما إلى المطلوب الأصلي" . أيها الاخوة والأخوات، والنتيجة المستخلصة من هذه الكلمات النيرة للعالم الرباني ميثم البحراني هي أن الزهد والعبادة هما جناحا القرب من الله وهو عزوجل غاية آمال العارفين. وبهذه النتيجة ننهي حلقة اليوم من برنامج (من فيض أهل المعرفة)، إستمعتم لها من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران، شكراً لكم ودمتم في رعاية الله.