{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ}، أي باطل الحديث، وأكثر المفسرين على أن المراد بلهو الحديث الغناء، وهو قول ابن عباس وابن مسعود وغيرهما، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله وأبي الحسن الرّضا (عليه السلام)، قالوا: منه الغناء. وروي أيضاً عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: هو الطّعن بالحقّ والاستهزاء به، وما كان أبو جهل وأصحابه يجيئون به، إذ قال: يا معشر قريش، ألا أطعمكم من الزقّوم الذي يخوّفكم به صاحبكم؟ ثم أرسل إليّ زبداً وتمراً، فقال: هذا هو الزقّوم الذي يخوّفكم به. قال: ومنه الغناء. فعلى هذا، فإنّه يدخل فيه كلّ شيء يلهي عن سبيل الله وعن طاعته من الأباطيل والمزامير والملاهي والمعارف، ويدخل فيه السخرية بالقرآن واللّغو فيه، كما قاله أبو مسلم، والترهات والبسابس على ما قاله عطا، وكلّ لهو ولعب على ما قاله قتادة، والأحاديث الكاذبة والأساطير الملهية عن القرآن على ما قاله الكلبي. وروى الواحدي بالإسناد عن نافع عن ابن عمر أنّه سمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في هذه الآية {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ}، قال: باللّعب والباطل، كثير النفقة سمح فيه، ولا تطيب نفسه بدرهم يتصدّق به. وروي أيضاً بالإسناد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): من ملأ مسامعه من غناء، لم يؤذن له أن يسمع صوت الروحانيّين يوم القيامة. قيل وما الروحانيون يا رسول الله؟ قال: قراء أهل الجنّة.
{لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ}، أي ليضلّ غيره، ومن أضلّ غيره فقد ضلّ هو. ومن قرأ بفتح الياء، فالمعنى ليصير أمره إلى الضّلال، وهو إن لم يكن يشتري للضلال، فإنه يصير أمره إلى ذلك. قال قتادة: بحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحقّ. وسبيل الله قراءة القرآن وذكر الله عن ابن عباس. {بِغَيْرِ عِلْمٍ}، معناه أنه جاهل فيما يفعله، لا يفعل عن علم {وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا}، أي ويتّخذ آيات القرآن هزواً، أو ويتّخذ سبيل الله هزواً يستهزئ بها.
{أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}، أي مضلّ يهينهم الله به {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا}، أي وإذا قرئ عليه القرآن {وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا}، أي أعرض عن سماعه إعراض من لا يسمعه، رافعاً نفسه فوق مقدارها {كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً}، أي كأنّ في مسامعه ثقلاً يمنعه عن سماع تلك الآيات {فَبَشِّرْهُ} يا محمّد {بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}، أي مؤلم موجع في القيامة.
الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي
*من كتاب "تفسير مجمع البيان"