إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات في كلّ مكان!
تقبّلوا تحيّاتنا القلبيّة الخالصـة ، وها نحن ذا نجدّد اللقاء بكم مع الحلقة الثانية من برنامجكم الفيمينيّة ، تحت المجهر . بعد أن استعرضنا لكم في الحلقـة المنصرمـة نبذة تاريخيّة حول ظهور الفيمينيّة ...
مستمعينا الأفاضــل !
ذكرنا أنّ الفيمينية هي ردّ فعل طبيعي ناجم عن المبالغة في فرض القيود علي المرأة في العالم الغربي . حيث أدّت هذه الحركة المتطرّفة التي كانت قد ظهرت لإنقاذ المرأة الغربية ، إلي ارتكاب ظلم من نوع جديد بحق المرأة هو ظلم المساواة ، وذلك عبر حركة انفعالية تفتقر إلي التدبير وتحت شعار المساواة بين المرأة والرجل ومن خلال تجاهل الفروق الذاتية بين المرأة والرجل . وسوف نتطرّق في هذه الحلقة من البرنامج إلي العوامل والأسباب التي أدّت إلي ظهور الفيمينيّة أو ما يسمّي بحركة تحرير المرأة في الغرب .
مستمعينا الأكارم !
علينا أن نستعرض أسباب ظهور الفينيميّة ودراستها في عدّة محاور ؛ وقد سبق أن ذكرنا أنّ دراسة المسيرة التاريخيّة لمكانة المرأة في الغرب وأوروبا تُظهر أنّ المرأة تعرّضت للكثير من الممارسات الظالمة . فقد كانت المرأة تعتبر في هذه المجتمعات شيئاً أو سلعة وكانت تعدّ من أموال الرجل . بل إننا نري من خلال دراسة آراء المفكّرين الغربيين أن كلّ واحد منهم كان ينظر إلي المرأة من وجهة نظره باعتبارها جنساً ثانياً و الدافع الي ارتكاب الرجل للذنوب بل كانوا يطلقون عليها أسماء تطلق علي الحيوانات .
ولم تكن المرأة تعتبر مواطناً ؛ فلم يكن لها الحق في التصويت كما لم يكن بمقدورها المشاركة في الشؤون الاجتماعية والسياسيّة . ومن جهة أخري فقد كان وضع المرأة في الغرب يمثّل تقليداً تسوده الفوضي إلي حدّ كبير وكانت المرأة تتعرّض للظلم والإجحاف . ويشهد التاريخ بأنّ المجتمعات الغربيّة كانت تفرّق بين الرجل والمرأة ولم تكن النساء يتمتّعن بحقوق مساوية للرجال .وعلي سبيل المثال ، فقد كانت المرأة في أوروبا وأميركا محرومة من الحقوق الأساسية علي الصعيدين السياسي والاجتماعي .
وعلي إثر النهضة والثورة الصناعيّة حدثت بعض التغيّرات والتطوّرات في الإيديولوجيّة الغربيّة و تأسّست منذ ذلك الحين الأسس الفكريّة للغرب الجديد علي أساس العلمانيّة والإنسانيّة والليبراليّة . علماً أنّ الفكر السياسي - الاجتماعي الجديد للغرب كان يؤدّي في هذا المجال دوراً خاصاً .
وفضلاً عن ذلك ، فقد كانت تطوّرات النظام الرأسمالي و الثورة الصناعيّة في الغرب وظهور طبقة باسم الرأسماليين و أرباب العمل من أهم العوامل المؤثّرة في أوضاع المرأة . فلقد مالت النساء الغربيّات اللواتي كنّ محرومات حتي تلك الفترة من حق الملكيّة الخاصّة وكنّ يعتبرن من ضمن أملاك الأزواج ومقتنياتهم ، إلي النظام الرأسمالي من خلال طرح شعار السيادة الخاصّة ، حيث استدرجها هذا التيّار شيئاً فشيئاً من البيوت إلي المصانع علماً أن المرأة تحمّلت خلال ذلك الكثير من المصاعب والمشاق بسبب الأعمال الشاقة والمجهدة التي كانت تزاولها في المصانع .
ولذلك فقد توفّرت للنظام الرأسمالي من خلال ذلك الكثير من الأيدي العاملة الرخيصة التي غيّرت في خضم ذلك نمطَ حياة النساء . وهكذا فقد تحوّل الكثير من مظاهر الحرمان تلك سواء الحرمان من الملكيّة الخاصّة أو حق التصويت إلي منطلق للكثير من التحليلات الفيمينية فيما يتعلّق بالمكانة المتدنيّة للنساء .
مستمعينا الأطايب !
ذكرنا فيما سبق أنّ مظاهر حرمان المرأة من حقوقها ظلّت قائمة في المجتمعات الغربيّة وكانت المرأة محرومة من الكثير من حقوقها الاجتماعية والثقافية من مثل حق التصويت و حق حضانة الطفل و وحق الملكيّة وغير ذلك. وعلي سبيل المثال فإنّها لم تكن تمنح الشهادة الدراسية في بريطانيا حتي العام ۱۹٤۷ بسبب النظرة الدونية إليها . ومن الطريف أن نعلم أنّ إحدي المجلّات الانجليزيّة أشارت قبل فترة إلي امرأة عجوز لم تكن قد وفّقت إلي نيل شهادتها في مرحلة الدكتوراه عام ۱۹۱۷ رغم اجتيازها لهذه المرحلة .
ومن الضرورة الإشارة إلي أننا ما نزال نشاهد مثل هذه النظرات الدونيّة في الثقافة الغربية حتي في السنين الأخيرة ، في حين نري في المجتمعات الإسلاميّة وفي إيران - علي سبيل المثال - السيّدة أمينة الأصفهاني وقد نالت درجة الاجتهاد من المراجع الرفيعي المستوي في العالم الإسلامي . حيث أسّست هذه السيّدة المجتهدة حوزة لتدريس الفلسفة والفقه في مدينة أصفهان ، وبادرت إلي الإشراف علي تدريس طلّاب هذه الحوزة.
وعلي أي حال ، فقد أدّي التمييز ضدّ النساء وتجاهل قضاياهنّ وحقوقهنّ في المجتمعات الغربيّة إلي أن يدركن ولكن بشكل مشوّش وغير واضح مكانتهن المتدنيّة ، ومظاهر التفرقة وعدم المساواة و التعارضات علي الصعيدين النظري والعملي المهيمنة علي المجتمع فيما يتعلّق بهنّ . وإزاء هذه الأوضاع التي كانت تخرج المرأة من إطار التعاريف الإنسانيّة قرّرت المرأة الكفاح من أجل إعادة حقوقها . وعلي إثر انتصار الثورة الفرنسيّة الكبري والمشاركة الفاعلة للنساء فيها ، تهيّأت الأرضيّة لظهور الحركة الفيمينيّة .
كما أن الكفاح الذي كان قد انطلق من أميركا ضدّ الرق والعبوديّة في أوائل القرن التاسع عشر يعتبر من العوامل الأخري لظهور الفيمينيّة . ولكن وعلي الرغم من وقوع الثورة الفرنسيّة و طرح شعارات من مثل المساواة والحريّة و العقلانيّة ، فإنّ المرأة حُذفت مع ذلك من دائرة شموليّة هذه المفاهيم . ولذلك ، فقد بدأت المرأة المزيد من النشاطات والكفاح من أجل أن تدخل دائرة الضوء ويحسب لها الحساب .
وعلي هذا الأساس ، فقد انطلقت الموجة الأولي من الحركة الفيمينيّة المعروفة باسم حركة حق التصويت اعتباراً من النصف الأول من القرن التاسع عشر من فرنسا في البدء ثم في بريطانيا و أميركا بهدف الاعتراض علي مظاهر انعدام المساواة قانونياً واقتصادياً وسياسياً . وبعد اعتراضات النساء بشأن حق التصويت ، اعترفت بريطانيا رسميّاً بحق المرأة في التصويت باعتبارها أول بلد غربي وذلك في العام ۱۹۱۸ ثم تبعتها أميركا عام ۱۹۲۰ . في حين أن الدين الإسلامي كان قد اعترف قبل ذلك بألف وأربعمائة عام بحق المرأة في التصويت وكان للنساء مشاركة خاصة في مبايعة نبي الإسلام (ص) .
أحبّتنا المستمعين الأكارم !
في المحطّة القادمة من برنامج الفيمينيّة ، تحت المجهر ، سيتواصل حديثنا عن تاريخ الحركة الفيمينيّة في الغرب ، واستعراض تطوّراتها علي الساحة الغربيّة من خلال التأكيد علي الموجــة الثانية من انتشارها ، حتي ذلك الحين كونوا في انتظارنا ، وفي أمان الله.