نص الحديث
قال النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم: "لسان القاضي بين طريقين: اما الى الجنة واما الى النار ".
دلالة الحديث
النص المتقدم يجسد صورة رمزية أو تمثيلية تتحدث عن الاحكام التي يصدرها القاضي حيث ان اعطاء الحكم او الفتوى لاينبغي ان يصدر الا عن الفقيه أي: المجتهد القادر على استخلاص الحكم الشرعي، واما سواه كالمقلد او المحتاط فلا ينبغي ان يصدر الاحكام او الفتاوي، لذلك اوضح الحديث ان مصدر الحكم او الفتوى اما ان يفضي حكمه او فتواه الى دخوله الجنة لانه يحكم بما امر الله تعالى او العكس: يفضي ذلك الى دخوله النار لانه لا يحكم بما امر الله تعالى، هذه الحقيقة نسجها النبي صلى الله عليه واله وسلم وفق صياغة فنية هي: "لسان القاضي بين طريقين: اما الى الجنة واما الى النار ،
اذن: لنتحدث عن هذه الصورة الفائقة.
بلاغة الحديث
النص المتقدم يتضمن جملة من المبادئ البلاغية المتمثلة في صياغة الصورة الفنية، ويعنينا ان نتحدث عن صورة (لسان القاضي) اولاً، فماذا نستلهم منها؟ واضح ان اللسان هو احد اهم اجهزة الفم بصفته الجهاز اللفظي المنطوق ولذلك يمكننا ان نعتبره من جانب تعبيراً واقعياً لانه هو: الناطق بالكلمات، وفي نفس الوقت يمكننا ان نعتبره تعبيراً تخيليا او معدولاً بصفة ان الناطق هو: جهاز الفم بما ينتظمه من الشفتين والاسنان وهكذا حيث تشترك مخارج الحروف في جملة اجهزة فرعية، لذلك يظل (اللسان) تعبيرا رمزيا اكثر منه تعبيراً واقعياً، واهمية هذا الرمز تتمثل في مايترتب على السلوك من مصير أخروي هو: الجنة او النار.
الرمز الاخر في الحديث هو عبارة (بين طريقين) فماذا نستلهم من الصورة؟ من الواضح ان (الطريقين) هما رمزان الى المصير الاخروي، واهمية هذين الرمزين هي: تساوقهما تماما مع الموقف اي: موقف القاضي المفضي الى دخول الجنة او النار، فالدخول يتطلب طريقا يمشي فيه القاضي ولذلك فان الطريق يتساوق مع طبيعة ما يتطلبه من المشي والوصول بعد ذلك الى دخول الجنة او النار.
يبقى ان نشير عابراً الى التجانس بين العبارات الدلالية العبارة الدالة على (الطريقين) والعبارة الدالة على الجنة والنار، فالطريقان ثم المصيران (الجنة والنار) يظلان متجاوبين في تناغمهما جميعا مما يضفيان على الصورة الرمزية والتمثيلية مزيداً من الجمال الفني.
ختاماً: نسأله تعالى ان يجعلنا ممن لايصدر حكماً او فتوى لاتتوافقان مع مبادئ الله تعالى حيث رسم للقضاة والفقهاء ومطلق من يتصدى للحكم بان يكونوا على بينة وعدالة في الموقف، كما نسأله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة انه سميع مجيب.