نص الحديث
قال الامام علي عليه السلام: "ردّوا الحجر حيث جاء".
دلالة الحديث
النص المتقدم من النصوص المتسمة بالالفة والوضوح ولكنه يتسم في الان ذاته بطرافة وعمق واثارة، كيف ذلك؟ لنتحدث اذن.
بلاغة الحديث
هناك مستويات متنوعة او لنقل: هناك سياقات متنوعة، في التعامل مع الاخر، فقد يتطلب الموقف ليناً وخلقاً حسنا، وقد يتطلب الموقف عكس ذلك، وقد يتطلب في جزء من السلوك احدهما دون الاخر، ولكن نتحدث الان عن السياق الثاني وهو: ان يتطلب الموقف اسلوباً حاداً، ولذلك فان الاسلوب الحاد يعد في حالات كثيرة من افضل ما يطلق عليه علماء الاجتماع مصطلح (الضبط الاجتماعي) بالقياس الى غيره من وسائل الضبط، هنا للتدليل على هذا الجانب ينتخب الامام علي عليه السلام صورة فنية تعتمد رمزية هي: الحجر حتى يتبين قارئ النص أهمية الرمز في صياغة الموقف، من الممكن ان يقول الامام علي عليه السلام السيف لا يقابل الا بالسيف مثلاً، ولكنه انتخب الحجر وسيلة دفاعية دون غيره، ان السيف خاص بساحة القتال، اما الحجر فيستطيع بدوره ان ينتفض (كما في بعض الانتفاضات المعاصرة) ويستطيع ان يرمز الى شئ عادي (كالمناقشة بين شخصين) احدهما (عدواني حاقد) يتلذذ بتعذيب الاخر، وهكذا في امثلة هذه الحالة يظل (الحجر) رمزاً ناجحاً في صياغة الموقف لانه بوضوح.
يقول لك النص: (رد الحجر حيث جاء) انه جاء من الطرف العدواني الذي يناقشك، ولم ينفع معه الخلق الحسن واللين، والامر كذلك بمقدار ان تستخدم (الحجر) رمزاً عاماً لسوح القتال بين طرفي الحق والباطل. الا ان النكتة لاتزال بحاجة الى توضيح الرمز المشار اليه، وهذا مانبدأ بالقاء الاضاءة عليه الان.
يمتاز الحجر عن غيره بكونه (من حيث المادة الخام) بالصلابة، والصلابة ترمز في ميدان التعبير النفسي الى الجانب السلبي والا فأن (الجبل) يظل هو الرمز اذا كنا في سياق الايجاب وهذا ما نجده عند الامام علي عليه السلام ذاته في نصوص يشير من خلالها الى ان المؤمن كالجبل في صلابة عقيدته، وهكذا، اذن: ثمة (حجر) وثمة (جبل) ولكل منهما رمزه الذي نستحضر خلاله: الدلالة الايجابية او السلبية، وهذا ما يضفي على كلام الامام عليه السلام ثقة ملحوظة في استخدامه للكلمة، والا لماذا يستخدم عبارتين من مادة واحدة (الحجر والجبل) ولكن في سياقين وهذا يكشف عن الدقة والنكتة البلاغية في صياغته عليه السلام للمعنى الذي يستهدف توصيله الينا الا وهو ان الشر لا يطرد الا بالشر، كما هو واضح.
اذن: امكننا ان نتبين جانباً من السمات البلاغية للعبارة التي استخدمها الامام عليهه السلام، سائلين الله تعالى ان يجعلنا ممن يمارس الطاعة انه سميع مجيب.