نص الحديث
قال النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم: "الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر" الحديث يتضمن عزيزي المستمع صورة فنية هي التشبيه وهذا التشبيه يعتمد كلمة بمنزلة وهي أداة التشبيه قبالة أدوات اخرى مثل الكاف، كأن، مثل ولعل بمنزلة هي تقوم مقام الأداة مثل والمهم ان نحدثك أولاً عن الدلالة ثم عن بلاغتها.
دلالة الحديث
من حيث الدلالة يقول الحديث: إن الآكل للطعام وهو يشكر الله تعالى على هذه النعمة يماثل الصائم الذي يصبر على الجوع وهذا يكشف عن الأهمية الكبيرة لظاهرة الشكر لله تعالى وقد ورد الحث على الشكر بنحو ملحوظ بدءاً من مقولة "لأن شكرتم لأزيدنكم" وإنتهاءاً بمقولة تخلع عن أحد الأنبياء صفة الشكور وهو نوح عليه السلام عبر قوله تعالى " كان عبداً شكوراً مع ملاحظة أن القرآن الكريم يخلع على كل نبي صفة خاصة مثل طابع الصبر على أيوب عليه السلام ومثل طابع صادق الوعد على إسماعيل عليه السلام وهكذا. والآن خارجاً عن الدلالة المذكورة يتعين علينا ان نتبين بلاغة الحديث فماذا نستلهم؟
بلاغة الحديث
لقد إستخدم النبي صلى الله عليه وآله أداة تعبيرية هي "بمنزلة" وهي أداة كما أشرنا تقوم مقام أداة تشبيهية هي "مثل" كقوله تعالى على لسان النبي آدم عليه السلام "أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب" وحينئذ تتمثل عملية الموارات بين المشبِه وبين المشبَه وكذلك عبارة "بمنزلة" مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام "أنت مني بمنزلة هرون من موسى" حيث أنها تتماثل مع أداة مثل لأن هذه العبارة أكثر رصداً لأوجه الشبه بين المشبِه والمشبَه به بالقياس الى أداة الكاف أو كأن حيث أن الأولى تمثل خمسين بالمئة من اوجه الشبه والثانية خمسة وعشرين بالمئة تقريباً بينما عبارة مثل او بمنزلة تعني درجة التماثل بينما النبي صلى الله عليه وآله لو إستخدم حرف الكاف او كأن مثل "أنت مني كهرون من موسى" او "كأنك هرون من موسى" لاتمنح المشبَه به درجة التماثل الكامل بل درجة أقل كما هو واضح.
والأمر كذلك أعزائي المستمعين بالنسبة الى حديث "الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر" تمنح المشبَه به نفس النسبة التامة من التشابه أي لافارق بين من يطعم ويشكر وبين من يصوم ويصبر، هنا ايضاً ثمة نكتة بلاغية أخرى هي التضاد او التقابل حيث أن التقابل بين شيئين يجعلان الدلالة أكثر توضيحاً فالطاعم يماثل الصائم والشاكر يماثل الصابر بصفة ان الآكل يقابل عدم الآكل وهو الصائم ولكنهما متماثلان في الأجر وهكذا بالنسبة الى الشاكر للنعم والصابر على الجوع يتماثلان في الأمر مع تضادهما في الإشباع وعدمه. إذن أعزائي المستمعين إتضح لنا جانب من بلاغة الحديث المتقدم سائلين الله تعالى أن يجعلنا من الصابرين والشاكرين ويوفقنا الى ممارسة الطاعة إنه سميع مجيب.
مستمعينا الكرام من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران إستمعتم الى برنامج نور وبلاغة، نشكركم على حسن المتابعة وننور قلوبنا مرة أخرى بالإستماع الى الحديث الشريف الذي تناولناه في بداية اللقاء وهو: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم "الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر"، دمتم سالمين وفي أمان الله.