نص الحديث
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "ترك الشر صدقة".
دلالة الحديث
هذا النص من النصوص القصيرة الحافلة بالفن وبعمق الدلالة... انه يتحدث عن ترك افعال الشر، وان هذا الترك هو صدقة... وهذا يعني اننا امام صورة (تمثيلية) او تجسيدية او تعريفية اي: تعرف شيئا بشيء اخر مثل عبارة (الايمان: نور) حيث عرفت ظاهرة الايمان بالنور، فاصبح النور هو: التعريف للايمان ومثله هذه العبارة النبوية (ترك الشر صدقة)، فماذا نستخلص منها؟
اولا، يتعين علينا ان نعرف (الصدقة) اولاً... فماذا تعني: الصدقة هي اللفظة التي تشير الى اعطاء المال لأخر وهو من حرم من مؤونة سنة مثلاً اي: من لا يملك وسائل الاشباع الكافي، وهو ببساطة الفقير، والصدقة قد تكون (واجبة) وقد تكون مندوبة.... والصدقة بعامة (خاصة: المندوبة) تسهم في تحقيق الاشباعات لحوائج الناس من جانب، وتترك اثرها على صاحب الصدقة من جانب آخر اي: تجعله سالماً من الحاق الاذى به، ولذا ورد بأن الصدقة تدفع البلاء اي: اعطاء المال او السلعة ونحوهما للفقير فيما يستتبع ذلك عدم نزول البلاء عليه كمن دفع صدقة فنجاه الله من الموت او المرض أو اية شدائد اخرى ويعنينا هذا كله ان نعرض للنص المتقدم وملاحظة طابعه البلاغي.
بلاغة الحديث
لقد استهل الحديث النبوي بعبارة (ترك الشر) فماذا يستلهم الملاحظ منها ؟ ترك الشر هو: عدم ممارسة اي فعل سلبي: مثل ترك الحسد والعدوان والغيبة والقتل و الخ... حيث ان تركها يعكس اثره على صاحبه حيث يتماثل مع من دفع (صدقة) فاشترى بذلك سلامة نفسه،... والسؤال هو: ما هي العلاقة بين ترك الشر وبين الصدقة ؟
الجواب: بما ان (الشر) يندفع بواسطة الصدقة كذلك (وهذا هو السر الفني للنص) نجد ان ترك السلوك السلبي هو: بمثابة الصدقة التي تدفع الشر اي: بعبارة بديلة – كما ان الصدقة تدفع الشر كذلك فان ترك هذا الشر هو: صدقة، وحينئذ تكون (الصدقة) هي: المعيار المشترك في دفع الشر عن الشخصية وهذا هو احد اسرار الفن الذي يتوكأ على التقابل او التضاد بين شيئين يختلفان في هويتهما ويتحدان في نتائجهما.
اذن: امكننا ان نتبين _ولو سريعا_ ماذا تعنيه عبارة (ترك الشر صدقة) سائلين الله تعالى ان يجعلنا ممن يترك الشر وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.