نص الحديث
قال الامام الصادق (عليه السَّلام): لم يخلق الله يقيناً لا شك فيه، اشبه بشّك لا يقين فيه من الموت.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يجسّد عبارة تجمع بين ما هو واقعي وما هو تخيلّي او صوري او غير مباشر، أي بين ما هو حقيقة او مجاز بحسب المصطلح البلاغي الموروث، واما الاصطلاح المعاصر فينبغي ان نعبّر عن الظاهرة المذكورة بأنها تجمع بين الواقع والعدول أو الإنزياح أو الصورة التركيبية، بيد ان الأهم من ذلك، هو هذا التقابل الفني بين اليقين والشك، بين النفي والإيجاب، بين يقين لا شك فيه، وشك لا يقين فيه، حيث نلحظ تقابلاً مزدوجاً وليس بسيطاً، وهو امر يتطلب مزيداً من التوضيح، حيث نبدأ بالقاء الاضاءة عليه الآن، من الزاوية الدلالية والبلاغية.
بلاغة الحديث
الملاحظ اولاً هو التشبيه الواقعي وليس التخيليّ، علماً بأن التخيّلي بدوره لا يفترق في اهميته و ذمته عن الواقعي، ولكن لكل منها سياقه الخاص، فالتشبيه التخيّلي الذي يقول مثلاً: العلم كالنور، لا يختلف عن التشبيه القائل، الفن كالعلم في فاعليته مثلاً، حيث ان كلاهما يصبان في حقيقة هي: تعميق معرفتنا الشيء. المهم، نتيجة الي حديث الامام (عليه السَّلام) فنقول: ثمة عنصر تشبيهي يستخدم عبارة (اشبه) بدلاً من ادوات التشبيه المعروفة، كالكاف، او كأن، او مثل. 1. ثمة عنصر تقابل بين اليقين والشك. 2. ثمة عنصر تقابل من الموت وبين مطلق الظواهر التي تتسم بما هو يقين أو شك. 3. ثمة عنصر يتجسد في السخرية: كما نلاحظ. وفي ضوء هذه الحقائق نتجه الي الحديث تحليلاً. تجسّد ظاهرة (الموت) اهم الظواهر العبادية فاعلية في تعديل السلوك، بصفة ان ملاحظة نهاية العمر ترغم الشخصية علي التفكير في أعمالها ومحاسبة النفس والزهد بمتاع الحياة الدنيا. بيد انه بالرغم من الحقيقة المتقدمة نجد ان الانسان غافلاً عن الموت، يستوي في ذلك ان تكون الشخصية مؤمنة باليوم الآخر او مشككة أو متمردة. من هنا يجيء الحديث المشير الي اليقين والشك، والتشابه بين الاشياء اليقينية التي لا تشكيك منها مثل (1+2=2)، والتشابه ايضاً بين يقينية الموت و يقينية الحقائق البديهية، غير ان هذه اليقينية لا يحياها الا من أوتي الوعي، اي: الوعي العبادي، فمثلاً في ذكر الله تعالي واليوم الآخر وعدم التغافل عن ذلك. اما الغالبية من البشر فينسحب عليه هذا التشبيه القائل: (لم يخلق الله يقيناً لا شك فيه اشبه بشك لا يقين فيه، من الموت)، اي: ان الموت يقين لا شك فيه البتة لانه واقع بحياة البشر جميعاً، ويصونه تماماً، ولا شك فيه من أحد ايا كان موقفه الفكري من الحياة، حيث يتيقن بالموت كيقينه بوجود شخصيتة مثلاً. بيد ان الحديث استخدم عنصر السخرية ايضاً (وهو احد عناصر التعبير الفني) يتقارن بين من يغفل عن الموت، وهو حقيقة لا شك فيها وبين من يحيا الشك غير المقترن باليقين عن من يغفل عن الحقيقة المذكورة. اذن الحديث المتقدم ينطوي علي جملة نكات اوضحناها، سائلين الله تعالي ان يجعلنا من الذاكرين وليس من الغافلين، وان يوفقنا الي ممارسة الطاعة، انه سميع مجيب.