نص الحديث
قال الامام الهادي (عليه السَّلام): لا تطلب الصفا لمن كدرت عليه.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يتناول العلاقة بين الناس، من حيث العلاقات المباشرة بينهم او ما يسّمي في لغة علم الاجتماع: علاقة المواجهة، وهي عادة تتم بين الصديقين أو الزميلين او مطلق العلاقات المباشرة في نطاق الاسرة والجوار والزمالة والادارة والدراسة، حيث انّ الطبيعة البشرية مادامت معرّضة للسلوك السلبي حينئذ فمن المتوقع ان تترتب الآثار علي ذلك، كالتوتر أو الانفصال بين الطرفين. من هنا، فإن المبادئ الاسلامية طالما ترشد الآخرين الي ما يوثق العلاقة بين الاطراف الي درجة انها تحث المظلوم مثلاً ان يذهب الي صديقه الظالم، ويقول له انا الظالم حتي يحمله علي الصلح بينهما، حرصاً علي العلاقة بين الطرفين.
والمهم، هو: ان الحديث المتقدم يتناول نمطا آخر من العلاقات المتوترة، وهو مطالبة الظالم هنا (وليس المظلوم) بأن يقـّدر الموقف ويعالجه في ضوء التبادل بين الطرفين علي مستوي التوازن في تقديم الخدمات للطرف الآخر، وهذا يتجسد في مطالبة من آذي صديقه مثلاً بألا يتوقع مبادلته بالعكس، وهو: التعامل بالمعروف: مادام الظالم يتعامل بالمنكر.
طبيعياً: ان التعاليم الاسلامية تطالب بالسماح والعفو مقابل الاساءة، ولكن الطبيعة العامة للبشر، هي: ان يكون التبادل بالمعروف مشتركا بين طرفي القضية، ولذلك قال الامام الهادي (عليه السَّلام) بما مؤداه: (لا تطلب الاحسان لمن أسأت اليه)، والمهم بعد ذلك، هو: ملاحظة هذا الحديث من حيث بلاغته.
بلاغة الحديث
لقد استخدم الحديث المتقدم: الصورة الرمزية لتجسيد المفهوم القائل بألا نطلب الاحسان ممن نسييء اليه والرمز هنا هو كلمة (الصفا) وكذلك كلمة (كدرت) في عبارة (لا تطلب الصفا لمن كدرت عليه)، فالصفا هو صفاء الماء مثلاً، والكدر هو: عدم صفائه بل اتشاحه بالاوساخ، وهما رمزان طريفان بالنسبة الي ظاهرتي الاحسان والاساءة، حيث يرمز الصفاء الي الاحسان، ويرمز الكدر الي الإساءة، وبذلك تتوهج بلاغة الحديث من خلال ملاحظة الماء الكدر المتشح بالوسخ حيث يتعذر صفاؤه من الوسخ، ولذلك فان المطلوب، هو: اما السعي لإزالة الكدر بشكل او بآخر من وسائل التصفية، أو الشروع بتقديم الماء الصافي، حتي يستطيع الطرف الآخر بمواصلة علاقته الصافية مع الاول.