نص الحديث
قال الامام الرضا (عليه السلام): التهنئة بآجل الثواب، افضل من التعزية بعاجل المصيبة.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم ينطوي علي نكات في نهاية الأهمية وفي غاية الطرافة، انه حديث عن الصبر حيال المصيبة، ولكنه في الآن ذاته لفت للنظر الي عاقبة الأمور بحيث يتحول الموضوع من حال المصيبة الي حال التهنئة. كيف ذلك؟
هذا ما نعتزم الحديث عنه الآن: دلالياً وبلاغياً او جمالياً: الحديث يشير الي انك عند ما تهنئ صديقك او قريبك بما وصل له من الشدة (فقدان العزيز) من حيث الثواب الذي ينتظره في مجاورته لله منه افضل من تعزيتك اياه بما حصل له من المصيبة الحالية، و بكلمة اكثر وضوحاً: ان الانتقال من الدنيا الي مجاورته تعالي، يجسّد عطاءاً كبيراً بالقياس الي ما فقده العزيز من دنياه، اي: ما يحصل عليه من العطاء الأخروي، افضل من الخسار الدنيوي.
والمهمّ، ان هذه المقولة قد نسبها الامام الرضا (عليه السلام) عبر صورة تشبيهية، تنتسب الي احد اشكال التشبيه الواقعي.
التشبيه - من جانب - هو نمطان، تشبيه واقعي، وتشبيه تخيّلي، وكلاهما حق بطبيعة الحال، كما ان التشبيه - من جانب آخر - قد يكون علي نحو المقارنة او المماثلة او علي نحو التفاضل او الاولوية والحديث المتقدم هو من جانب تشبيه واقعي لا تخيّل فيه، ومن جانب آخر تشبيه بالأعلي او الأدني من طرف الآخر، فاذا قلنا عن الكفار مثلاً « إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ» يكون التشبيه علي نحو (المقارنة) او (التماثل)، ولكن اذا قلنا «إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا» يكون التشبيه علي نحو الادني أو الاعلي من طرفه الآخر، اي: ان الكفار اكثر واعلي ضلالاً من الحيوانات.
وفي ضوء هذه الحقيقة نواجه الحديث المتقدم الذي يشير الي ان (التهنئة) باجل الثواب (افضل) من (التعزيز) بعاجل المصيبة وحينئذ يكون التشبيه المتقدم مجسداً لما هو اولي واحسن وافضل.
بلاغة الحديث
والسؤال بلاغياً: كيف نستلهم ذلك؟
الجواب: من البيّن ان التهنئة هي: بشارة بما هو خير، بينما التعزية تسلية بما هو شدّة، وكما هو معروف فان التسلية تعني: تخفيف الشدة، بينما التهنئة تعني: زوال الشدة. اذن، كم هو طريف تشبيه الامام الرضا (عليه السلام) من حيث ذهابه الي ان (التهنئة) بآجل الثواب افضل من التعزية بعاجل المصاب ومن جانب آخر: مما يضيف علي التشبيه المذكور من جمالية هو: التقابل بين (الآجل) و (العاجل)، والتقابل بين (الثواب) و(المصاب)، وذلك بما يجعل الذهن متداعياً الي حقيقة ما نعرفه من الدنيا، وحقيقة ما نعرفه من الآخرة، حينئذ ما نعرفه من عطاء الله تعالي آجلا مقابل ما نعرفه من الشدائد عاجلاً.