نص الحديث
قال الامام علي (عليه السلام): المؤمن غريزته النصح.
دلالة الحديث
هذه المقولة تجسد احد مبادئ الشخصية السوية، أي: الخالية من الامراض النفسية، بصفة انها تفصح عن الشخصية التي تمتلك سمتين في غاية الاهمية هما: سلامة القلب، وحب الآخر، ولا شيء اقرب الي النبض الانساني من هاتين الخصلتين، والاسلام بما أنه مجموعة مبادئ تحدد من هي الشخصية السوية، عندئذ فان المقولة المتقدمة المؤمن: غريزته النصح تعني: طابع الشخصية الاسلامية السوية، علما بأن مبادئ السوية العلمائية لا تشكل كل ما هو السوي من السلوك، بل الجزء منه، وذلك لغيابه عن مصدر التركيبة السوية وهي الله تعالي حيث رسم لنا معالمها متمثله في الالتزام بمبادئ الشريعة مضافاً الي المبادئ الانسانية العامة.
ما يعنينا الان هو: ان نشير الي ان المقولة الصادرة عن الامام علي (عليه السلام)، بأن المؤمن غريزته النصح، تعني ان الشخصية الاسلامية الملتزمة تهتم باصلاح الاخرين واشباع حاجاتهم، حيث أن النصح للاخر يعني: تقديم الخدمة له وأشباع حاجته، وهذا هو منتهي النبض الانساني.
بلاغة الحديث
الصورة الفنية التي رسمها الامام علي (عليه السلام) هي تمثيل أو تجسيد أو استعاره في تمثيل، والمهم هو: ان الامام (عليه السلام) استخدم مصطلح الغريزة والغريزة هي: الفطرة التي يصدر عنها الانسان، مما يعني: ان الشخصية الاسلامية الملتزمة فطرتها هي النصح للآخر، وفي تصورنا ان رسم السمة السوية لمن ينصح الآخر لا تفصح عنه بدقة وما نلحظ من الدقة البلاغية لكلمة الغريزة.
والغريزة هنا (مع انها تطلق عادة علي ما هو حيدي من الشخصية) بينما يطلق (الرائع) علي ما هو نفسي وحيدي، نجدها: في الاستخدام الذي صدر عنه الامام (عليه السلام) قد نقلها من الحيدي أو البيولوجي الي النفس بصفة ان النصيحة هي: تعبير عن الحب، والاخلاص، والانفتاح نحو الآخر، لذلك عندما ننقلها من دائرة ما هو (نفسي) الي دائرة ما هو (جسمي): عندئذ تبلغ الدلالة قمتها في التعبير عن اخلاص الشخصية المؤمنة، ولذلك ورد في الاحاديث ما معناه (استشر الذين لهم دين) لانهم مخلصون لله تعالي، فلايصدر منهم الا الاخلاص لمبادئ الله تعالي، وفي مقدمتها: حب المؤمن لا أخيه ما يحبه لنفسه.