السلام عليكم إخوة الإيمان والولاء، من أجلى أخلاق الله عزوجل أن رحمته قد سبقت غضبه وإحسانه وفضله تقدما على عدله، وهذا ما إنعكس بوضوح في سيرة أوليائه المقربين في صور فريدة منها الحادثة التي إخترناها لهذا اللقاء من سيرة سيد الوصيين المباركة وقد رواها مؤرخو المسلمين بمختلف مذاهبهم وهي واضحة الدلالات تغنينا عن التعليق.
كانت هذه الحادثة بين علي عليه السلام ومعاوية في صفين. فقد وصل جيش معاوية إليها قبل جيش علي عليه السلام، وماء الفرات في أرض صفين سهل التناول، بينما يصعب الاستقاء من غيرها لعمق مجرى النهر أو وعورته. ولذا بادر معاوية فحمى أماكن الورود ليمنع عليا عليه السلام وأنصاره منه، ليموتوا عطشا بظنه! وجرت بينهم مداولات فأصر معاوية على منعهم، فحمل جيش علي عليه السلام وحرروا الفرات، لكن عليا عليه السلام بذله لهم لأن الناس في الماء والكلأ والنار سواء. قال الراوي بعد ذكر منع معاوية الماء عن الجيش العلوي فدعا عليه السلام صعصعة بن صوحان فقال: إئت معاوية فقل إنا سرنا مسيرنا هذا، وأنا أكره قتالكم قبل الأعذار إليكم، وإنك قد قدمت بخيلك فقاتلتنا قبل أن نقاتلك وبدأتنا بالقتال، ونحن من رأينا الكف حتى ندعوك ونحتج عليك، وهذه أخرى قد فعلتموها حتى حلتم بين الناس وبين الماء، فخل بينهم وبينه حتى ننظر فيما بيننا وبينكم، وفيما قدمنا له وقدمتم. وإن كان أحب إليك أن ندع ما جئنا له وندع الناس يقتتلون على الماء حتى يكون الغالب هو الشارب، فعلنا. فأجابه معاوية: لاسقاني الله ولا سقى أبا سفيان إن شربتم منه أبدا حتى تقتلوا بأجمعكم عليه!! فبقي أصحاب علي يوما وليلة بلا ماء. وخطب علي عليه السلام في أصحابه فقال: "أما بعد فإن القوم قد بدؤوكم بالظلم، وفاتحوكم بالبغي، واستقبلوكم بالعدوان، وقد استطعموكم القتال حيث منعوكم الماء، فأقروا على مذلة وتأخير محلة، أو روّوا السيوف من الدماء ترووا من الماء، فالموت في حياتكم مقهورين والحياة في موتكم قاهرين. ألا وإن معاوية قاد لمة من الغواة وعمس عليهم الخبر، حتى جعلوا نحورهم أغراض المنية ".
مستمعينا الأكارم قال الراوي من الجيش العلوي كما في رواية نصر بن مزاحم في كتاب وقعة صفين: اضطربنا بالسيوف فطال ذلك بيننا وبينهم حتى صار الماء في أيدينا فقلنا: لا والله لانسقيهم! فأرسل علي عليه السلام، "أن خذوا من الماء حاجتكم وارجعوا معسكركم، وخلوا بينهم وبين الماء فإن الله قد نصركم عليهم ببغيهم وظلمهم". قال: ولما غلب أهل الشام على الفرات فرحوا بالغلبة وقال معاوية: يا أهل الشام هذا والله أول الظفر لاسقاني الله ولا أبا سفيان إن شربوا منه أبدا حتى يقتلوا بأجمعهم عليه، وتباشر أهل الشام. فقام إلى معاوية رجل من أهل الشام همداني ناسك يقال له المعري بن الأقبل فقال: يامعاوية سبحان الله الآن سبقتم القوم إلى الفرات تمنعونهم الماء؟ أما والله لو سبقوكم إليه لسقوكم منه، أليس أعظم ما تنالون من القوم أن تمنعونهم فرضة من الفرات فينزلون على فرضة أخرى فيجازونكم بما صنعتم! أما تعلمون أن فيهم العبد والأمة والأجير والضعيف ومن لاذنب له؟ هذا والله أول الجهل! فأغلظ له معاوية! قال نصر: ثم سار الرجل الهمداني في سواد الليل حتى لحق بعلي عليه السلام.
مستمعينا الأفاضل وجاء في تتمة الرواية، وحمل علي عليه السلام على عساكر معاوية حملات كثيفة حتى أزالهم. وصار أصحاب معاوية في الفلاة لا ماء لهم، فقال له أصحابه وشيعته: أمنعهم الماء يا أمير المؤمنين كما منعوك ولاتسقهم منه قطرة، واقتلهم بسيوف العطش، وخذهم قبضا بالأيدي فلا حاجه لك إلى الحرب، فقال: "لا والله لا أكافئهم بمثل فعلهم، أفسحوا لهم عن بعض الشريعة، ففي حد السيف ما يغني عن ذلك".
مستمعينا الأفاضل: وكانت أخلاق الإمام علي عليه السلام معروفة لأعدائه، فقد روى نصر بن مزاحم في كتاب وقعة صفين أن ابن العاص قال: يامعاوية ما ظنك بالقوم إن منعوك الماء اليوم كما منعتهم أمس، أتراك تضاربهم عليه كما ضاربوك عليه؟ قال: دع عنك ما مضى منه ما ظنك بعلي؟ قال: ظني أنه لايستحل منك ما استحللت منه.
اعزاءنا مستمعي إذاعة طهران وبهذا ينتهي لقاء اليوم من برنامج (من أخلاق الله)، تقبل الله منكم طيب المتابعة ودمتم في رعاية الله.