أعددنا لكم حكايتين من غرر حكايات الهداية الاولي تحمل عبرة جليلة في أدب العبودية لله عزوجل.
روي الشيخ الصدوق في كتاب الأمالي بسنده عن الزهري، قال كنت عند علي بن الحسين (عليه السلام) فجاءه رجل من أصحابه، فقال له علي بن الحسين (عليه السلام): ما خبرك، أيها الرجل؟
فقال الرجل: خبري - يابن رسول الله - أني أصبحت وعلي أربعمائة دينار دين لا قضاء عندي لها، ولي عيال ثقال ليس لي ما أعود عليهم به.
قال الزهري: فبكي علي بن الحسين (عليهما السلام) بكاء شديداً.
فقلت له: ما يبكيك، يا بن رسول الله؟
فقال: وهل يعد البكاء إلا للمصائب والمحن الكبار؟!
قال الحاضرون: الأمر وكذلك، يابن رسول الله، وقال (عليه السلام): فأية محنة ومصيبة أعظم علي مؤمن من أن يري بأخيه المؤمن خلة فلا يمكنه سدها، ويشاهده علي فاقة فلا يطيق رفعها!
قال الراوي: فتفرق الحاضرون عن مجلسهم ذلك.
فقال بعضهم المخالفين وهو يطعن علي علي بن الحسين (عليهما السلام): عجبا لهؤلاء يدعون مرة أن السماء والأرض وكل شيء يطيعهم، وأن الله لا يردهم عن شيء من طلباتهم، ثم يعترفون أخري بالعجز عن إصلاح حال خواص إخوانهم!! فاتصل هذا القول بالرجل صاحب القصة فجاء إلي علي بن الحسين (عليهما السلام) فقال له: يابن رسول الله، بلغني عن فلان كذا وكذا، وكان ذلك أغلظ علي من محنتي!
فقال علي بن الحسين (عليهما السلام): فقد أذن الله في فرجك، ثم قال لجاريته يا فلانة احملي سحوري وفطوري.
فحملت قرصتين، فقال علي بن الحسين (عليهما السلام) للرجل: خذهما فليس عندنا غير هما، فإن الله يكشف عنك بهما، وينيلك خيراً واسعاً منهما.
أخذ الرجل القرصين، ودخل السوق وهو لا يدري ما يصنع بهما، يتفكر في ثقل دينه وسوء حال عياله، ويوسوس إليه الشيطان قائلاً: أين موقع هاذين الرغيفين من حاجتك؟
ثم مر الرجل بسماك قد بارت عليه سمكة فقال له: سمكتك هذه بائرة عليك، وإحد رغيفي هاذين بائر علي، فهل لك أن تعطيني سمكتك البائرة، وتأخذ رغيفي هذا البائر عليّ؟
فقال: نعم.
فأعطاه السمكة وأخذ الرغيف ثم مر برجل معه ملح قليل مزهود فيه، فقال له: هل لك أن تعطيني ملحك هذا المزهود فيه برغيفي هذا المزهود فيه؟
قال: نعم. ففعل.
ورجع الرجل بالسمكة والملح الي داره فقال: أصلح هذه بهذا، فلما شق بطن السمكة وجد فيها لؤلؤتين فاخرتين، فحمد الله عليهما، فبينما هو في سروره ذلك إذ قرع بابه، فخرج ينظر من بالباب، فإذا صاحب السمكة وصاحب الملح قد جاءا، يقول كل واحد منهما له: يا عبد الله، جهدنا أن نأكل نحن أو أحد من عيالنا هذا الرغيف، فلم تعمل فيه أسناننا، وما نظنك إلا وقد تناهيت في سوء الحال، ومرنت علي الشقاء، قد رددنا إليك هذا الخبز، وطيبنا لك ما أخذته منا.
فلما استقر بعد انصرافهما عنه قرع بابه، فإذا رسول علي بن الحسين (عليهما السلام)، فدخل فقال: إنه يقول لك: إن الله قد أتاك بالفرج، فأردد إلينا طعامنا، فإنه لا يأكله غيرنا، وباع الرجل اللؤلؤتين بمال عظيم قضي منه دينه، وحسنت بعد ذلك حاله.
فقال بعض المخالفين: ما أشد هذا التفاوت! بينا علي بن الحسين (عليه السلام) لا يقدر أن يسد منه فاقة، إذ أغناه هذا الغناء العظيم، كيف يكون هذا؟!
وكيف يعجز عن سد الفاقة من يقدر علي هذا الغناء العظيم؟!
فلما سمع هذا الرجل المؤمن بكلامهم جاء مهموماً الي الإمام (عليه السلام) وأخبره بقولهم فقال: هكذا قالت قريش للنبي (صلي الله عليه وآله): كيف يمضي إلي بيت المقدس ويشاهد ما فيه من آثار الأنبياء من مكة، ويرجع إليها في ليلة واحدة من لا يقدر أن يبلغ من مكة إلي المدينة إلا في اثني عشر يوماً؟ وذلك حين هاجر منها.
ثم قال (عليه السلام): جهلوا والله أمر الله وأمر أوليائه معه، إن المراتب الرفيعة لا تنال إلا بالتسليم لله جل ثناؤه، وترك الاقتراح عليه، والرضا بما يدبرهم به، إن أولياء الله صبروا علي المحن والمكاره صبراً لم يساوهم فيه غيرهم، فجازاهم الله عزوجل عن ذلك بأن أوجب لهم نجح جميع طلباتهم، لكنهم مع ذلك لا يريدون منه إلا ما يريده لهم.
ومن هذه الحكاية الجليلة في أدب التعامل مع الله جل جلاله ننقلكم الي الحكاية القصيرة التالية في أثر إعطاء الزكاة لغير مستحقيها، فقد روي القاضي النعمان المغربي في كتاب دعائم الإسلام عن الوليد بن صبيح وهو من أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام) قال:
قال لي شهاب: إني أري بالليل أهوالا عظيمة، وأري امرأة تفزعني، فأسأل لي أبا عبد الله جعفر بن محمد صلوات الله عليه عن ذلك، فسألته له فقال: هذا رجل لا يؤدي زكاة ماله، فأعلمته.
فقال: بلي والله، إني لأعطيها، فأخبرته بما قال.
فقال (عليه السلام): إن كان ذلك فليس يضعها في موضعها، فقلت ذلك لشهاب.
فقال: صدق ابن رسول الله (صلي الله عليه وآله).