والصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا محمد المصطفى وآله الطيبين الأطهار.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته واهلاً بكم في برنامجكم هذا آملين أن تقضوا معه وقتا طيباً ومفيداً.
لقد كان السعي المتواصل والعمل الدؤوب مما عرف به الشيخ أغا بزرك الطهراني (رضوان الله تعالى) صاحب المؤلفات الكبيرة كالذريعة الى تصانيف الشيعة وغيرها... وكان الشيخ طويل العكوف على تحقيقاته العلمية ومتابعاته لمصادر الفكر والتاريخ الاسلامي لأجل تأليفاته الموسوعية، ولم تصمد الحوادث والمشاكل التي لا تخلو منها حياة أي انسان أمام جهده ولم تثن قواه الفكرية.
ومع ذلك كان الشيخ الطهراني رحمه الله مثالاً للأخلاق الاسلامية وتقوى القلب وطهارة الضمير حيث تذكر شخصيته الانسان بالائمة الطاهرين (عليهم السلام) وكبار علماء الشيعة السابقين وبتعبير العلامة الأميني - صاحب الغدير- انه كان بقية السلف الصالح ومع كثرة انشغاله بالمسائل الدراسية العريضة وبحوثه العلمية كان مواظباً على عباداته والنوافل المستحبة ولم يكن يغفل عن تهذيب نفسه وترويضها.
فكان رحمه الله يمشي كل ليلة اربعاء على الاقدام من النجف الأشرف الى مسجد السهلة مسافة عشر كيلومترات ليعبد الله تعالى هناك ويدعوه ويناجيه، وقد واصل هذه العبادة الى أن تجاوز عمره الثمانين سنة. وفي عام 1364 الهجري تشرف بحج بيت الله الحرام فجمع بين النشاط العلمي والعمل العبادي فيه، اذ التقى بجمع من علماء الاسلام من مصر والحجاز وسوريا في مكة والمدينة وحاور علماء السنة فاستأنسوا لسعة اطلاعه في الأحاديث النبوية الشريفة.
اصيب المرجع الديني آية الله العظمى السيد عبد الأعلى السبزواري (رضوان الله تعالى) بمرض القلب في أحد سني عمره الشريف وكان الذي يباشر فحصه الطبي الدكتور موسى الأسدي وقد اتى به العلامة السيد محمد كلانتر (مدير جامعة النجف الدينية) آنذاك، فطلب الدكتور نقله الى المستشفى لأن حالته خطيرة، لكنه رفض الانتقال اذ كان لديه طريق خاص للشفاء السريع، وهو الدعاء الى الله تعالى والتوسل بالامام الصادق (عليه السلام) فنوى ان ألبسه الله تعالى ثوب العافية كتب دورة فقهية كاملة حول احكام الشريعة الاسلامية، واذا به يقوم في ليلته من النوم وهو لا يشكو من شيء فذهب الى مسجد السهلة بعد منتصف الليل رغم الحاح أهله بعدم الذهاب خوفاً على صحته.
وعندما فحصه الدكتور الأسدي في اليوم التالي تعجب عندما ظهر له اختفاء المرض وقد شوفي منه تماماً فقال: ان هذا لأمر خارق للعادة. وهكذا شرع المرحوم السبزواري بالوفاء بالنذر وكتب كتابه الفقهي الاستدلالي العظيم في ثلاثين مجلداً سماه - مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام- وهو من اعظم الموسوعات الفقهية الحديثة.
حول زهد وورع العلماء المخلصين كتب أحد العلماء القصة التالية تحت عنوان «من أسرار التاريخ» قال: كانت ضياء السلطنة - ابنة سلطان ايران فتح علي شاه ذات مال وجمال وكمال وقد اراد أبوها الملك من الآخوند الملا حسن اليزدي صاحب كتاب «مهيج الأحزان» أن يطلب يد ابنته لإبنه فرفض الشيخ (رحمه الله) واعتذر قائلاً: يصعب ان تعيش بنات الملوك في بيوتنا نحن الرعية
ثم اقترح الملك على الميرزا القمي صاحب كتاب (القوانين) ان يطلب يد ابنته فرفض هو ايضاً، ولما توفي الملك سافرت ابنته هذه الى النجف الأشرف وطلبت من السيد محمد مهدي الطباطبائي ان يطلب يدها فامتنع، ثم ترجت الشيخ محمد حسين صاحب كتاب (الفصول) ان يتزوجها فلم يقبل الشيخ ايضاً.
واخيراً أرسلت الى السيد ابراهيم الموسوي القزويني احد اصدقائه يخبره أنها ترغب في الزواج به - كزوجة ثانية- فرد السيد: ان طلباتكن انتن - بنات الملوك- كثيرة ونحن ليس لدينا غير الفقر والفاقة، فأرسلت اليه قائلة: انني لا أطلب منك مالاً بل أنا مستعدة للانفاق عليك وعلى عيالك، فرد السيد: ان لي زوجة وأولاداً يصبرون على عسر المعيشة وصعوباتها والزواج بك يستلزم ان اهجر زوجتي وأولادي وهذا شيء قبيح لا يتلائم مع الوفاء، فأرسلت اليه قائلة: انت كن مع زوجتك وعيالك، فأنا أريد ان احمل اسمك فقط (باني زوجتك) ولكن السيد امتنع ايضاً حتى يئست ضياءالسلطنة.
وختاماً - ايها الأفاضل- شكراً لكم على حسن المتابعه. وحتى اللقاء المقبل نستودعكم الباري تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.