وصلى الله على سيدنا وأنيس نفوسنا محمد المصطفى وعلى آله الطيبين الأطهار.
السلام عليكم - مستمعينا الأكارم- ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في برنامجكم هذا آملين أن تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً.
مستمعينا الأعزاء ان المال اغراء خطير لمن يسلك سرابه الى ملذاته الشخصية، وهو في الوقت ذاته جهاد كبير لمن ينفقه في سبيل الخير ويتجنب المزالق، لذا اعتبرته الأحاديث الاسلامية من أهم وسائل الامتحان للانسان، فكم من اشخاص سقطوا في الامتحانات المالية، وكم منهم خرجوا منها ناجحين مفلحين وهؤلاء هم الأذكياء الذين فطنوا كيف يشترون الكثير الدائم بالقليل الزائل.
وفيما اذا كان المال أمانةً بيد شخص رفعته الظروف الى مستوى الائتمان فان الخيانة فيه جريمة ما اعظمها.
ومن هنا كان دأب مراجع المسلمين الشيعة في كتابتهم الاجازة الى وكلائهم ان يختموها بكلمة (وأوصيه بملازمة التقوى وسلوك سبيل الاحتياط) ومع ذلك زلت اقدام البعض ممن سال لعابه عندما رأى لمعان الأموال التي اجتمعت عنده فرجح كفة مصاريفه الشخصية على المشاريع الاسلامية، فسقط في هذا الامتحان، الا ان الوجوه المشرقة بنور الايمان لم تغب ابداً، فالوكلاء المتقون موجودون ولله الحمد، وبهذا التمهيد نأتي الى التعريف بوجه من تلك الوجوه المشرقة التي لم تغرها الأموال التي كانت تصل اليها في ظل المرجعية الرشيدة، ذلك هو المرحوم آية الله السيد محمد السبزواري نجل المرجع الكبير آية الله العظمي السيد عبد الأعلى السبزواري (أعلى الله مقامهما) فانه لما قدم إلى طهران عام 1413 هـ ق ليستقر فيها ويدير شؤون تلك المرجعية الورعة، اجتمع حوله المؤمنون واستجازه احدهم واسمه الحاج محمد علي وهو من كبار تجار طهران أن يسمح بشراء منزل له في الأحياء الراقية من العاصمة وبأمواله الشخصيه، فامتنع سماحته قائلاً: أريد ان اعيش في الأحياء المتوسطة مع الناس العاديين. وذلك رغم شدة التلوث الذي كان يضر بصحته (رحمه الله)، وعلى صفحة أخرى من ورعه في المال نجد ان سماحته كان يتنقل في طهران بالحافلات العامة، فاقترح عليه أحد المومنين من اهل الخير في قم المقدسة ان يشتري له سيارة خاصة.
وحتى قال انه مستعد لقيادة السيارة بنفسه في خدمة السيد لكنه لم يوافق (رضوان الله تعالى)، ويقول ذلك المؤمن صاحب الاقتراح: كنت أتألم له عندما يأتي الى قم ويعود الى طهران بالنقل العام، مما جعلني اتقدم اليه بذلك الاقتراح حتى بادرني قائلاً: كم قيمة السيارة التي تريد شرائها؟
فقلت له: بين أربعة الى خمسة ملايين تومان، فقال السيد: ان في حسابي الآن من اموال المشاريع الاسلامية أكثر من مئة مليون تومان، فلو اقتطعت منها قيمة سيارة لا تؤثر على المشاريع التي بيدي الآن ولكن والدي لا يرضى بذلك وانا لا يمكنني الا ان اكون قيد طاعته وتعاليمه. وهذا في الوقت الذي كان آية الله السيد محمد السبزواري مجتهداً بنفسه مما يحق له ان يتصرف مستقلاً برأيه ضمن الحدود الشرعية ولكنه أبى ان يميل مع الدنيا حتى الى الدرجة التي قد تسمح له الأحكام الشرعية ايضاً.
واستمر هذا السيد الجليل المرحوم آية الله محمد السبزواري في مواقفه النزيهة حتى بعد وفاة والده المرجع الورع (طيب الله ثراهما) اذ كان يدفع من تلك الأموال الى المشاريع الاسلامية والخيرية وطلبة العلوم الدينية في الحوزات العلمية لعدة شهور حتى انتهت ونفدت تلك الأمانات، فقال له احد الأشخاص عندما علم ان السيد يسكن في بيت للايجار: هلا اشتريت من تلك الأموال داراً لنفسك وارحت عيالك من بيوت الاستيجار ومشقاتها؟
فرد عليه السيد العفيف الزاهد: ان والدي امرني ان لا استفيد من اموال الاسلام لمصالحي الشخصية نعم - مستمعي الكريم- يقول احد المقربين منه: ان هذا العالم الأمين والذي عشت معه بعض السنين في النجف الأشرف كان هكذا من دون مبالغة، وكيف لا يكون كذلك وهو من نتاج أورع المراجع واتقاهم وهو والده المعظم السيد عبد الأعلى السبزواري (رضوان الله تعالى) الذي كان لي ولأمثالي منهلاً عذباً في الأخلاق والولاء لأهل البيت (عليه السلام).
وأما ثمرة زهده ونزاهته فلا نشك ابداً في عطاء الباري تعالى ببركة اهل البيت (عليه السلام) لهؤلاء الأمناء الزاهدين فما أحلى تلك الساعة التي لا يبيعها المتقون بكل ما في الدنيا من لذات محدودة ومؤقتة يقول نجله فضيلة السيد حسن: ان سماحة الشيخ مهدي الأنصاري قال: بعدما وضعت المرحوم السيد محمد السبزواري في قبره في صحن السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) بقم المقدسة وانتهت المراسيم ذهبت الى المنزل فرأيته في المنام برداء ناصع البياض في واحة خضراء وعلى وجهه النوراني ابتسامة عريضة لا تظهر الا على وجه الفرحين بما آتاهم الله من فضله، فتقدم نحوي وقال: أيها الشيخ ماكنت أعلم ان كرم السيدة المعصومة بهذه الدرجة الكبيرة جداً.
أجل - مستمعينا الأعزاء- هكذا هم المؤمنون المتقون السائرون على نهج النبي وأهل بيته الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين) شكراً لكم على حسن المتابعة وجميل الاصغاء. وحتى اللقاء القادم نستودعكم الباري تعالى والسلام عليكم.