وقد ولد رضوان الله عليه في عصر الغيبة المهدوية الصغرى أواخر القرن الهجري الثالث في بلدة (النعمان) العراقية. ومما إمتاز به العالم الولائي التقي كثرة رحلاته في طلب العلم الإلهي، وقد سافر الى مدينة شيراز الايرانية من أجل ذلك سنة ۳۱۳ للهجرة، والى بغداد سنة ۳۲۷ للهجرة ثم الى طبرية في الأردن ثم الى دمشق وحلب، وقد سعى خلال رحلاته العلمية هذه الى أخذ أحاديث أهل بيت النبوة عليهم السلام من رواتها الثقاة، فكان يسعى الى من يسمع بحفظه لها، واختص أكثر بالمحدث الجليل ثقة الإسلام الكليني وحضر مجالسه في بغداد وصار كاتباً له يدون ما يرويه من الأحاديث الشريفة. وقد برع الشيخ النعماني في علم الحديث رواية ودراية وفقهاً، فكان خبيراً بأسانيده عارفاً بصحيحه من الحعرف أو الموضوع، وحرص على نشر الأحاديث النبوية الصحيحة متحملاً صعاب الغربة في سبيله حتى توفاه الله غريباً في دمشق رضوان الله عليه.
وقد أورث الشيخ النعماني أجيال المسلمين عدةً من المؤلفات القيمة منها كتاب الفرائض وكتاب جامع الأخبار وكتاب التفسير (نثر اللئالئ) وكتاب الغيبة الذي نختار منه الإضاءة التالية قال قدس سره في مقدمة كتاب الغيبة: "الحمد لله رب العالمين، الهادي من يشاء إلى صراط مستقيم المستحق الشكر من عباده بإخراجه إياهم من العدم إلى الوجود وتصويره إياهم في أحسن الصور، وإسباغه عليهم النعم ظاهرة وباطنة لايحصيها العدد على طول الأمد كما قال عزوجل: (وإن تعدوا نعمت الله لاتحصوها) والحمد لله بما دلهم عليه وأرشدهم إليه من العلم بربوبيته والإقرار بوحدانيته بالعقول الزكية والحكمة البالغة والصنعة المتقنة والفطرة الصحيحة والصبغة الحسنة، والآيات الباهرة والبراهين الظاهرة وشفع ذلك ببعثه إليهم الخيرة من خلقه رسلا مصطفين، مبشرين ومنذرين، دالين هادين، مذكرين ومحذرين ومبلغين مؤدين، بالعلم ناطقين، وبروح القدس مؤدين، وبالحجج غالبين، وبالآيات لأهل الباطل قاهرين، وبالمعجزات لعقول ذوي الألباب باهرين، أبانهم من خلقه بما أولاهم من كرامته، وأطلعهم على غيبه، ومكنهم فيه من قدرته، كما قال عزوجل: (عالم الغيب فلا يظهر عليى غيبه أحدا، إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا) وذلك ترفعا لأقدارهم، وتعظيما لشأنهم، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، ولتكون حجة الله عليهم تامة غير ناقصة" .
إن الشيخ النعماني ينبه هنا قلوب المؤمنين الى أهمية معرفة الله عزوجل بصفة المنعم الذي أحاط الإنسان بأنواع النعم وأي نعم هي؟!. لقد ذكر رضوان الله عليه منها أصل خلق الإنسان في أحسن صورة وأكمل تقويم، بمعنى أن الله عزوجل خلق الإنسان وجهزه بكل ما يحتاجه لبلوغ أعلى مراتب الكمال والسعادة في الدنيا والآخرة، كالعقل والقوة وسائر الجوارح. إضافة لذلك أتم الله عزوجل النعمة على الإنسان بارسال أفضل خلقه من الأنبياء والمرسلين وأوصيائهم لكي يهدوه الى سبل السلام ويأخذوا بيده لطي مراتب الكمال والرقي والسعادة والفلاح. ومما لاشك فيه أن معرفة الله عزوجل بصفة ذي الفضل والإحسان والإنعام يبعث في وجود الإنسان فطرة شكر النعم فيندفع الى عبادة الله جل جلاله شكراً له على عظيم نعمائه لا خوفاً من عقابه ولا طمعاً في جنته وهذه هي عبادة الأحرار التي تصفها الأحاديث الشريفة بأنها أفضل العبادة.