لازلنا مع دعاء العهد، وهو الدعاء الذي يتلى كل صباح (لا اقل من اربعين صباحاً) لتعجيل ظهور الامام المهدي عليه السلام، واعطاء العهد (من قارئ الدعاء) بان يتجه الى ساحة الجهاد العسكري والمدني لنصرة الامام عليه السلام في الثورة الاصلاحية التي يضطلع بها، وبناء المجتمع الاسلامي الذي يرث الارض: كما وعد الله تعالى.. وهذا الدعاء سبق ان حدثناك عن جملة مقاطع منه، ومن ذلك: المقطع القائل: (اللهم ارني الطلعة الرشيدة، والغرة الحميدة، واكحل ناظري بنظرة مني اليه...). هذا المقطع كما نحسبك تتذكره: حدثناك عن رمزين او عبارتين منه وهما: التوسل بالله تعالى ان يرينا الطلعة الرشيدة، والغرة الحميدة، واوضحنا النكات التي تضمنتها العبارتان او الرمزان المذكوران.. وبقي ان نحدثك عن الصورة الثالثة (وهي الاستعارة القائلة واكحل ناظري بنظرة مني اليه..) ترى: ماذا تحمل هذه الاستعارة من الدلالة؟
لقد قلنا سابقاً، ان الامام الصادق عليه (وهو منشيء الدعاء) عندما قال (ارني الطلعة الرشيدة) قصد بها: ظهور الامام المهدي عليه السلام بعد غيابه، وهي الطلعة او الظهور المقترن باقامة الحق واماتة الباطل، حيث ان صفة الرشيدة تحمل معنى الحق مقابل الباطل.. وقلنا ايضاً: ان قول الدعاء والغرة الحميدة قصد بها: ملامح شخصية الامام، ممثلة في الوجه او مقدمة: بصفته المفصح عن الهوية لصاحبه، اي: صاحب الوجه..
والآن: بعد ان لا حظنا الدقة التي طبعت الدعاء في توسله بالله تعالى ان يرينا الطلعة الحميدة والغرة الرشيدة.. نتساءل عن الخطوة الثالثة التي يتوسل الدعاء بالله تعالى ان يوفقنا للافادة منها، وهي: ان نوفق الى نظرة منا للامام المهدي عليه السلام، وهذه ما رسمها الدعاء عبر استعارة جميلة هي: تكحيل نواظرنا بنظرة منا الى الامام عليه السلام..
والسؤال الآن هو: ان قارئ الدعاء بعد ان يفاجأ برؤية الامام عليه السلام بعد غيابه ثم بتشخيص ملامحه ماذا يتوقع؟ انه يريد النظر الى الامام عليه السلام.. ولكن ماذا يستهدفم من الرؤية؟
قلنا في لقائنا السابق ان النظر الى وجه العالم عبادة، فكيف النظر الى الامام عليه السلام.. ان للنظر اساساً معطيات نفسية لايجهلها أحد.. يدلنا على ذلك نفس الاستعارة التي نسجها الدعاء للتعبير عن هذه الدلالة: اي المعطيات النفسية.. فقد عبر الدعاء عن ذلك بقوله: (واكحل ناظري بنظرة مني اليه..) وكلنا نعرف بان الكحل اي: عملية اكتحال العين، وهي: استخدام مادة معينة لتجميل العين وتزيينها: الهدف منها: التزيين من جانب، ثم: التقوية من جانب آخر..
والآن: اذا قدر لنا ان ننقل هذه الاستعارة الى الواقع الحسي عبر نظرتنا للامام عليه السلام، يمكننا ان نقرر بوضوح ان الكحل مادام مستخدماً للتجميل او الزينة فان الرؤية للامام تنطوي على المعنى ذاته، اي: اشاعة الاطمئنان والنشوة والثقة في قلب قارئ الدعاء، بمعنى ان نظرتنا الى الامام عليه السلام من خلال طلعته ثم غرته: سوف تحقق لنا مزيداً من الراحة النفسية التي نتطلع اليها، انها النظرة او النظرات العائدة علينا بالبركة واليمن، انها النظرة او النظرات التي تملأ قلوبنا بالنور، وبالدفء، وبالسكينة، وبمعاني الامامة، والخلافة، والعبادة، وانها النظرة او النظرات التي تتداعى باذهاننا الى عطاء الله تعالى في اصطفائه لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولذريته، ومنهم امام العصر عليه السلام، وانعكاساتها ذلك جميعاً على مجمل احاسيسنا الحارة المنتظرة لظهور الامام عليه السلام ومشاهدة حركته الاصلاحية العظيمة، ومن ثم: وراثة عباد الله للارض.
والآن: بعد ان لاحظنا ان عبارة واكحل ناظري بنظرة مني اليه تعني: ان قارئ الدعاء يتطلع الى معطيات متنوعة من النظر الى الامام عليه السلام، منها: المعطى الروحي، ومنها: المعطى النفسي، ومنها: المعطى العبادي العام المتمثل في اقامته عليه السلام لمجتمع العدل الاسلامي، ووراثة الاسلاميين للارض..
نقول: بعد ان لاحظنا ما تقدم، نجد ان الدعاء المذكور يواصل فقراته الجديدة بالعبارات الاتية (وعجل فرجه، وسهل مخرجه، واوسع منهجه، واسلك بي محجته، وانفذ امره، واشدد ازره)...
وهذا المقطع من الدعاء هو امتداد للعبارة الاستعارية التي لاحظناها وهي: التوسل بالله تعالى بان يكحل نواظرنا بنظراتنا الى الامام عليه السلام، حيث قلنا: انها عبارة ذات دلالات مزدوجة، منها: ما يتصل بالحاجة النفسية المتمثلة في الرؤية للامام عليه السلام، ومنها: ما يتصل بالحاجات العبادية المتمثلة في حركة الاصلاح التي يضطلع بها الامام عليه السلام، حيث عبر الدعاء عن هذه الدلالة بعبارات متنوعة، سنحدثك عنها في لقاء لاحق ان شاء الله تعالى.
*******