لازلنا مع دعاء العهد، وهو الدعاء الذي يتلى كل صباح لتعجيل ظهور الامام المهدي عليه السلام، والتوسل بالله تعالى بان يلحق صاحب الدعاء بموكب الامام المهدي عليه السلام ونصرته عسكرياً ومديناً.. وقد عرضنا في لقائنا السابق مقطعاً جديداً من مقاطع دعاء العهد، حيث نحدثكم عن هذا الدعاء بحسب تسلسل موضوعاته، وكان الموضوع الجديد هو قول الامام الصادق عليه منشيء الدعاء (اللهم ارني الطلعة الرشيدة، والغرة الحميدة، واكحل ناظري بنظرة مني اليه...).. وقد تساءلنا عن دلالة هذه العبارات المشيرة الى (طلعة الامام عليه السلام) و(غرته) والى الصفة المرتبطة بالطلعة وبالغرة، وهما: الصفة القائلة عن طلعة الامام عليه السلام بانها رشيدة وعن غرته بانها حميدة.. تساءلنا عن ذلك، ونتجه الآن الى الاجابة..
قلنا، ان النصوص الشرعية تشير الى ان النظر الى وجه العالم (عالم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم) بطبيعة الحال هو: عبادة، فكيف بالنظر الى الامام المهدي عليه السلام: بخاصة وان قارئ الدعاء قد قدم عهداً بمناصرة الامام والاستشهاد بين يديه.. فما هي دلالة النظر اليه عليه السلام: من حيث التوسل بالله تعالى بان يرينا الطلعة الرشيدة؟.. ان طلعة الامام يعني: ما ظهر من الملامح ورؤئ.. فكما ان الشمس مثلاً تظهر في الافق وتخضع الى الرؤية من الاخرين: كذلك يتوسل الدعاء بان يرينا طلعة الامام المهدي عليه السلام حيث ان مجرد طلوعه ومجرد رؤيته: يبعث في النفس سروراً وثقة وامناً وروحاً ووجداً خاصاً.. بيد ان الملاحظ وهذا ما نعتزم توكيده ان الدعاء اطلق صفة الرشد على طلعة الامام عليه وهذه الصفة لها دلالتها واطرافها وتممها ونكاتها..
فالرشد هو مقابل الغي.. الم يقل الله تعالى: (قد تبين الرشد من الغيّ)؟ اذن: طلعة الامام عليه السلام ليست مجرد ملامح، بل الملامح مرتبطة بما هو حق مقابل الباطل.. ان ظهور الامام المهدي عليه السلام يقترن بظهور الحق وبخذلان الباطل وزهوقه، ان الباطل كان زهوقا..
وهذا فيما يرتبط بسمة الطلعة الرشيدة..
ولكن ماذا بالنسبة الى السمة الاخرى وهي: (والغرة الحميدة)، لانطيل الحديث في هذا الجانب، بل نسارع الى القول بان الغرة من الامام عليه السلام هي غير الطلعة، حيث ان الطلعة هي: الظهور لشخصية الامام عليه السلام من حيث انه غائب وظهر.. اما الغرة فهي: كما تقول النصوص اللغوية الوجه عن الشخصية، او اوله، ومعظمه، اي: الملمح البارز منه وليس الملامح جميعاً.. اذن: ثمة فارق بين الطلعة وبين الغرة حيث ان الطلعة تعني: ظهوره عليه السلام بعد غيابه، اما الغرة فملاحظة الملمح البارز منه وهو: الوجه.. لذلك وهذا ما نلفت انتباهك عليه، نجد ان الدعاء وصف الطلعة بانها رشيدة اي: هي الحق مقابل الباطل، هي ظهور الامام عليه السلام لاصلاح المجتمعات الفاسدة.. بينما نجد ان الدعاء وصف الغرة بانها حميدة اي: محمودة، وهي: الملمح البارز من الشخصية، او الوجه بصفة ان الوجه هو المميز للشخصية وافتراقها عن الاخرين،.. ربما ان هدف الدعاء هو: ان يحدد الشخصية بعينها، نجد انه قد انتخب الغرة ووصفها بانها حميدة اي: محمودة من المنتظرين لرؤية الامام عليه السلام، وهل ثمة ما يمدح ويحمد اكثر من الامام عليه السلام وهو يتجه الى اقامة العدل بعد ما ملئت الارض ظلماً؟..
والآن: اذا تابعنا سائر ما ورد من هذا المقطع الخاص بالتوسل بالله تعالى بان يوفقنا او يرينا الامام المهدي عليه السلام بما تتضمنه الرؤية من دلالات اوضحناها الآن.. نقول: اذا تابعنا سائر ماورد من هذا المقطع الخاص برؤية الامام عليه السلام، نجد فقرة ثالثة او عبارة ثالثة هي: الاستعارة التي تقول: (واكحل ناظري بنظرة مني اليه..) هنا نحسبك ستتساءل قائلا: لقد توسل الدعاء بالله تعالى ان يرينا الطلعة والغرة من الامام عليه السلام (حيث اوضحنا بانهما رمزان لظهور الامام عليه السلام بعد الغيبة، وللتعرف على شخصيته، حيث ان الطلعة ترمز الى الظهور، والغرة الى تعريف الشخصية..) واذا كان قارئ الدعاء قد توسل بالله تعالى ان يظهر له شخصية الامام ثم ان يعرفه بملامحه.. اذن: ماذا يستهدفه الدعاء من التوسل بان يكحل نواظرنا بنظراتنا حياله؟..
هذا ما نجيبك عنه انشاء الله تعالى في لقاء لاحق.. ولاتحسب ان طرح مثل هذه التساؤلات لا فاعلية لها، بل العكس، انها ضرورية مادامت كلاماً صادراً عن المعصوم عليه السلام، وما يصدر عنه عليه السلام لابد وان يتسم بالآلهية.
اخيراً: نتوسل بالله تعالى بان يعجل ظهور الامام عليه السلام، وان يجعلنا من انصاره والمستشهدين بين يده عليه السلام ان شاء الله تعالى.
*******