لانزال مستمعينا الكرام مع دعاء العهد، وهو الدعاء الذي يتلى في الصباح، (لا اقل من اربعين صباحاً)(اللهم ان حال بيني وبينه -اي الامام المهدي عليه السلام - الموت الذي جعلته على عبادك حتماً مقضياً، فأخرجني من قبري مؤتزراً كفني...) هذه البداية من مقطع الدعاء (اذا قدر لك ان تتذكر لقاءنا السابق) وهو امتداد لما لاحظناه في مقطع اسبق، الا وهو المقطع المتوسل بالله تعالى بان يجعلنا من انصار الامام المهدي عليه السلام واعوانه، ومن ثم: من المستشهدين بين يديه عليه السلام، وهذا التوسل بالله تعالى بان يجعلنا من المستشهدين بين يدي الامام المهدي عليه السلام، يظل عبر فرضية ان قارئ الدعاء سوف يدرك عصر ظهوره عليه السلام (ونسأله تعالى ان ندرك ذلك قريباً)، واما في حالة تأخر ذلك، اي: بعد وفاة القارئ للدعاء، فان المقطع الجديد الذي قرأناه الآن هو: المضمون الذي يتوصل به قارئ الدعاء، حيث يقول (اللهم ان حال بيني وبينه الموت الذي جعلته على عبادك حتماً مقضياً، فأخرجني من قبري...).
اذن مقطع الدعاء الحالي يحدثنا عن حالة وفاة قارئ الدعاء (اي عدم ادراكه لعصر الظهور)، حيث يتوسل بالله تعالى ان يبعثه من قبره لنصرة الامام المهدي عليه السلام، وقبل ان نحدثك عن تفصيلات التوسل، وكيفية الدفاع وسائر ما يتطلبه الموقف عصرئذ، يجدر بنا ان نحدثك سريعاً عن ظاهرة الانبعاث او ما يطلق عليه مصطلح (الرجعة)، اي: الرجوع الى الدنيا (قبل قيام الساعة) وذلك: خلال عصر الظهور...
هناك نصوص قرآنية كريمة وروايات متنوعة تدل جميعاً على مفهوم الرجعة في دلالتها التي اشرنا اليها،.. والمهم هو: ان النص (وهو معتبر من حيث السند) امر واضح من حيث الدلالة كقوله تعالى: (ربنا امتنا اثنين واحييتنا اثنتين) يدل بوضوح حتى مع عدم الرجوع الى النص المفسر، فضلاً عن النصوص المتنوعة المشيرة بوضوح الى هذه الدلالة. اولئك جميعاً تدلنا على ان الرجعة حق، وان الدعاء الذي نتحدث عنه وهو واحدة من نصوص كثيرة: يتناول هذا الجانب، ومن ثم: فان الاهم من ذلك هو: ان قارئ الدعاء يتقدم بعاطفته وبعقله وبايمانه وبيقينه: بهذا التوسل الذي لاحظناه سريعاً، ونلاحظه انشاء الله تعالى مفصلاً، فيما يفصح عن حرارة توسله المذكور..
اذن: ما هي مفردات هذا التوسل؟
المفردة الاولى من هذا التوسل هي: الاشارة الى ظاهرة الموت والى كونه حتماً مقضياً.. هنا، نعتزم لفت نظرك الى ما يستهدفه الامام الصادق عليه السلام من دلالات (معرفية) يجدر بنا تذكرها، ومنها: ظاهرة (الموت).. لقد كان بمقدور الامام الصادق عليه السلام ان يصوغ عبارة الدعاء بهذا النحو مثلاً (اللهم ان حال الموت بيننا وبينه عصر الظهور، فأخرجني من قبري...)، ولكن الامام عليه السلام لم يكتف بعبارة (ان حال الموت بيننا وبينه عليه السلام) بل اردفها بعبارة (الذي جعلته على عباد حتماً مقضياً)...
لنلاحظ جيداً عبارة (حتماً مقضياً)، حيث ان هذه العبارة لم تكتف بالاشارة الى ان الموت هو حتم بل اردفته بعبارته مقضياً، اذن: الاشارة الى الموت، والى ان الله تعالى جعله حتماً مقضياً ليست عبارة زائدة بحيث يستغنى عنها، بل هي (عبارة هادفة)، الهدف هو تذكير قارئ الدعاء بظاهرة الموت وبنظاهرة كونه حتماً مقضياً، وليس حتماً او قضاء وحدهما.. ومع ذلك فان حتمية وقضاء ذلك، تظل مرتبطة بعودة او برجعة بعد موت هو حتميّ مقضيّ، وهذه الرجعة هي (الامل) الذي يلح قارئ الدعاء عليه متوسلاً بالله تعالى ان يحققه من خلال موفقية قارئ الدعاء بان يصبح من الملتحقين بركاب الامام المهدي عليه، والمستشهدين بين يديه. اللهم اجعلنا كذلك، ووفقنا لمرضاتك، ولممارسة وظيفتنا العبادية بالنحو المطلوب.
*******