السلام عليكم إخوة الإيمان ورحمة الله وبركاته.. بتوفيق الله نلتقيكم في حلقة اليوم من هذا البرنامج، فأهلاً بكم ومرحباً.
إيقاد نور وجذوة الرفض للظلم وحفظها في قلوب الباكين على الحسين عليه السلام؛ هو من أهم الآثار التي يحصل عليها الإنسان من خلال صدق تفاعله مع المظلومية الحسينية، وبالتالي فهو من الآثار المستمرة للقيام الحسيني المقدس..
هذه الحقيقة نتلمسها أيها الإخوة والأخوات متجلية في كثير من نتاجات شعراء الولاء كما يتضح من الموضوع الذي اخترناه لهذا اللقاء من كتابات الأستاذ الأديب الحاج إبراهيم رفاعة، فقد كتب حفظه الله تحت عنوان (الهمة المتوثبة للثأر) يقول:
النور الحسيني البهي الذي دخل قلب الشريف واستقر فيه.. منحه إشراقاً ومزيد حياة، ومن مزايا نور أبي عبدالله الحسين صلوات الله عليه: أنه يهب – لمن دخل قلبه – حياة زكية، ويرفع نظر قلبه المعنوي من جواذب التراب الهابطة إلى الآفاق العالية المواجة بالبهجة والسعادة والنور.
وقد ازداد الرضي – رضوان الله عليه – بما غذى فؤاده من نور سيده الحسين أألقاً على ألق ونوراً على نور؛ فهو الرجل المؤمن الصادق الصفي، وهو السيد العلوي الذي تصله بالشهيد المظلوم صلة البنوة، إذ هو نابع في نسبه الشريف من دوحة الحسين هذه السامقة الباسقة الطيبة الكوثرية الثمار.
وللشريف الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين بن موسى الموسوي قصائد جلى فيها رؤيته واستجابة قلبه لحوادث يوم الحسين في طف طربلاء، وفي شعره الذي قاله في حياته – إبان القرن الرابع وأوائل القرن الخامس – ما هو أشد لوعة وأكثر إيلاماً من سائر مراثيه.. حتى أن إحدى قصائده ما تزال إلى اليوم سائرة بين الناس، وهي من مشهور ما ينشد في مجالس النعي والعزاء، أعني قصيدته التي مطلعها:
كربلا! لا زلت كربلاً وبلا
ما لقي عندك آل المصطفى؟!
رحم الله الشريف الرضي، وزاده في أخراه سعادة ومزيد قرب ورضوان.
قصيدة الرضي التي نتذزق فيها طعم الأسى العميق في هذا اللقاء رائية الروي.. ترينا هذا الشاعر العالم الذواق – من داخله – محزوناً غاضباً متوثب الهمة للإقتصاص.
إنه السيد المفجوع المنكوب الذي قتل أهله أطايب الخلق وأبيدوا يوم عاشوراء، وسبيت عماته الفاطميات المصونات بعد قتل الأحبة وأعز الأعزاء. مناحة كبرى ومصاب لا يداوى ولا يبرأ له جرحن ثم يأتي خلي قلب من الهم والحزن يلوم الشاعر على حزنه المديد ودمعه الذي ينطف كالمطر:
ورب قائلة – والهم يتحفني
بناظر من نطاف الدمع ممطور:
خفض عليك، فللأحزان آونة
وما القيم على حزن بمعذور!
فقلت: هيهات، فات السمع لائمه
لا يعرف الحزن إلا يوم عاشور
لا سبيل الى تخفيف الأسى أو سلو الأحزان؛ فما في العالم شيء أكبر من الحسين لينسي الحسين، إن حزن العوالم على أي مصاب آخر – إذا تركز وتجمع كله في نقطة واحدة – لا يعدل الحزن على أبي عبدالله الحسين، إذ الحزن عليه حقيقة الحزن وذروة كل الأسى والأشجان.
يتمثل الرضي في خاطره مشاهد أهله الأبرار الأنوار ذبائح عاشوراء، فأي رزية من رزاياهم ينسى، وأي فاجعة ممكن أن تهون؟! هذا مثلاً مشهد مما يتملاه الشاعر، فيرتجف له وجوده كله وتأخذ بتلابيبه موجعة الآلام:
وخر للموت.. لا كف تقلبه
إلا بوطء من الجرد المحاضير
ظمآن سلى نجيع الطعن غلته
عن بارد من عباب الماء مقرور
كأن بيض المواضي وهي تنهبه
نار تحكم في جسم من النور
لله ملقىً على الرمضاء، غص به
فم الردى، بعد إقدام وتشمير
تهابه الوحش أن تدنو لمصرعه
وقد أقام ثلاثاً غير مقبور
ويستشعر الرضي قربه القريب من جده الشهيد المستفرد المظلوم، إن جده إذن هو أولى من يخاطب، وأحب من يبوح له قلبه بالشكوى والمعاناة:
يا جد، لا زال لي هم يحرضني
على الدموع، ووجد غير مقهور
إن السلو لمحظور على كبدي
وما السلو على قلب بمحظور
وما دام المرء لا ينسى ولا يسلو، فإن الهم جاثم مقيم، هذا الهم الغالب الذي لا يقهر، هو ما يفجر الدمع، ويفتح للعيون أبواباً للأنصاب الدائم والإنسكاب.
ثم إن مصائب آل محمد الأصفياء الأبرار.. لم تتوقف عند فجائع كربلاء، وإن كانت هي أشد مصائبهم تحزيناً وإيلاماً.. فمنذ أن جعل الله أهل البيت شموس هداية وأقمار رحمة وإنقاذ وهم – على أيدي فراعنة الأرض وشياطين الإنس – ينابذون ويحاربون ويقتلون:
أكل يوم لآل المصطفى قمر
يهوي يوقع العوالي والمباتير؟!
وكل يوم لهم بيضاء صافية
يشوبها الدهر من رنق وتكدير؟!
الأحزان طاغية شاملة.. وما من باب للخروج! وما عسى الرضي يصنع ليشفي صدره من اولئك القتلة المردة تحكموا – مع قتلهم لأولياء الله وأحبائه – برقاب أمة المسلمين؟! إنه حقاً عاجز لا يستطيع.. كما غيره في مثل هذا عاجز لا يستطيع.
إن الثأر للحسين العظيم لا يقدر عليه إلا رجل هو وارث للحسين عظيم، وما دام الله جل جلاله قد عدّ هذا الشهيد الفريد ثأره.. فلا مفر إذن من يوم الثأر، ولو بعد حين. وهذا ما كان الشريف الرضي يترقبه ويتهيأ له، ليفوز بكرامة المشاركة، ويجوز فخر الثأر لدم جده المهدور المطول، ويا ويل الجناة من يومهم الذي يوعدون!
بني أمية، ما الأسياف نائمة
عن ساهر في أقاصي الأرض موتور
وبنو أمية قبيلة سوء، وهم أيضاً خط.. تلقاه أرقط كالحية في حنايا التاريخ، وفي حاضر هذه الأيام، من رضي بفعل اولئك القتلة السفاحين فهو منهم بلا شك.. في أي زمان كان وفي أي مكان، أليس الإنسان هو موقف الإنسان؟!
إن ساعة الثأر والإنتقام لحرمات الله المستباحة في كربلاء آتية لا ريب فيها.. يكاد ربها يخفيها؛ ليتمايز الفريقان: فريق في الثائرين لله، وفريق حق عليهم القتل والهوان.
هكذا هدى السيد المرتضى قلبه المجبول من أنوار دماء كربلاء:
بني أمية، ما الأسياف نائمة
عن ساهر في أقاصي الأرض موتور
والبارقات تلوى في مغامدها
والسابقات تمطى في المضامير
إني لأرقب يوماً لا خفاء له
عريان يقلق منه كل مغرور
وللصوارم ما شاءت مضاربها
من الرقاب شراب غير منزور
بالحسين الإلهي الحبيب إذن حقيقة الهداية وعذوبة النور، وبخصومه والراضين بخصومتهم حقيقة الضلال ووحشة الظلام.
وهكذا يتضح مستمعينا الأفاضل عميق أثر التفاعل الوجداني مع المظلومية الحسينية في توهج أنوار البراءة من الظلم والظلام والظالمين في قلوب الباكين على الحسين عليه السلام وهذه من أبرز الآثار المشهودة للقيام الحسيني المقدس.
نشكركم أيها الإخوة والأخوات على طيب المتابعة لحلقة اليوم من برنامج نور من كربلاء قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، دمتم في أمان الله.