البث المباشر

بسط الأمن في رؤى نظام الملك الطوسي

الأحد 22 سبتمبر 2019 - 09:58 بتوقيت طهران
بسط الأمن في رؤى نظام الملك الطوسي

اذاعة طهران - برنامج : عبارات و اشارات - فقرة : بسط الأمن في رؤى نظام الملك الطوسي

 

مستمعينا الافاضل! اهلاً ومرحباً بكم في حلقة اخرى من برنامجكم الاسبوعي (عبارات واشارات).
اخوتنا المستمعين! وصلنا بكم في الحلقة السابقة في معرض استعراضنا للقصة التي رواها نظام الملك في كتابه سياستنامه او سير الملوك كشاهد على ضرورة ان يكون الحاكم مطلعاً على سيرة ولاته، وكيفية تعاملهم مع الرعية.
وصلنا الى هذه النقطة وهي ان المبعوث الذي ارسله النديم الذي تبرّع بان يستعلم امر اميري الحرس للملك، توجه في صبيحة اليوم التالي الى دار امير الحرس الثاني، فجلس في مجلسه، وما هي الا دقائق حتى قُدِمَ الناس، وشرطة الامير حتى امتلأت الدار، الا ان الامير لم يخرج من غرفته حتى طلعت الشمس وارتفعت فتقدم اليه الحرس وسلموا عليه ولكن الامير لم يكن يهتم برد السلام، وان ردّه فبغضب، وبعد ان مرّت مدة سأل قائلا: ألم يأتوا اليوم بأحد؟ 
فقيل له: جيء بشاب قبضواعليه امس وهو ثمل قد فقد عقله، فقال: آتوني به!
وعندما وقع نظره على الشاب قال: أهذا هو؟!
فقيل: نعم.
فقال: اذا اردتّ ان استجوب هذا الشاب فان الامر سيطول لكثرة جرائره، فالفساد، والشرّ، والعربدة، والسرقة، وعدم الخوف من الله، واثارته للفتن لا نظير لها في بغداد، ان علينا ان لا ننزل عليه الحدّ فحسب بل وان نقطع عنقه!
واستمرّ الامير في اطلاق التهم على ذلك الشاب، والمبالغة في تصوير جرائره حتى تمنى هذا الشاب المسكين ان تقطع عنقه في الحال لكي يتخلص من تلك الشتائم المقذعة، ثم امر الامير ان يجلد ويضرب ضرباً مبرحاً قائلا: قيدوه واضربوه اربعين جلدة حتى يعضّ الارض من شدة الالم!، وعندما انزل عليه الحدّ ارادوا ان يذهبوا به الى السجن، واذا بخمسين رجلاً من الوجهاء المعروفين يفدون في اثناء ذلك على مجلس الامير ليشهدوا بصلاح وعفة ومروءة وكرم وحسن سيرة واعتقاد ذلك الشاب، واستشفعوا له في ان لا يسجنه على ان يقدموا للامير هدية، الا ان الامير هذا لم يرع حرمة اولئك الشيوخ والوجهاء، وبعث به الى السجن رغم استشفاعهم، فعاد الوجهاء مكسوري القلب، فكان الناس يلعنون الامير الذي نهض من مجلسه، وعاد الى حجرته.
ثم عاد خادم النديم، وشرح له كل ما رآه، وفي اليوم الثالث قدم النديم على الملك، وقصّ عليه سيرة وطريقة كل من الاميرين كما سمع، فدهش الملك، واصابه العجب وقال: عفا الله عن ذلك الرجل العجوز، واللعنات على الامير الآخر الذي فعل ما فعله بذلك الشاب الحرّ!
فما كان من الملك بعد ان علم بحقيقة الامر الا ان امر بعزل الامير الثاني من منصبه، وان يطلق سراح الشاب، وان يبقى الامير العجوز في منصبه، وان يخلع عليه منصبه هذا مرة اخرى محاطاً بالاكرام والرعاية من جميع الجهات.
مستمعينا الاكارم! ذكرنا في حلقة سابقة ان نظام الملك وُلِدَ وعاش خلال القرن الخامس الهجري، وقد عاصر خلال هذه الفترة الكثيرمن الاحداث وخصوصاً تلك التي وقعت في بلاد ايران والمتمثلة في الثورات والانتفاضات التي كانت تحدث بين الحين والآخر ضد الحكومة العباسية.
ومن بين هذه الاحداث التي يتوقف عندها الخواجه نظام الملك حادثة خروج (بابك الخرّمي) في اذربيجان في عهد خلافة المأمون، وكيف ان المأمون بعث من بغداد بالجيوش لاخماد هذه الثورة، وقد استطاع بالفعل ان يقمع هذه الثورة، وان يأسر زعيمها، ويقتله صبراً.
ويستند نظام الملك الى هذه الحوادث التي يسردها في ان الحاكم او الملك يجب ان يكون حازماً في التعامل مع اعدائه، وان يبادر الى القضاء على الفتن التي يثيرونها وخصوصاً اذا كانت هذه الفتن مقترنة باثارة الفساد، وهلاك الحرث والنسل، واثارة الخوف والرعب في قلوب الرعية.
فعلى الحاكم - كما يرى المؤلف- ان يجعل استتباب الامن، واقرار الهدوء والاستقرار في جميع المجالات من اولويات سياسته، فمن خلال الامن وهدوء البال والخاطر يمكن للحاكم وولاته ان يقدموا خدماتهم للرعية بشكل افضل، ويصبوا اهتمامهم على هذا الجانب المهم والحيوي.
وفي المقابل فان الرعايا سينشغلون في اداء وممارسة اعمالهم، ويخلصون العمل لحاكمهم، ومن المعلوم ان في ذلك ما فيه من اسهام في تقدم البلاد، ورخائها، وازدهارها، ذلك لان الجميع سوف يتفرغون بعد ان ينعموا براحة البال لاداء عملهم وخدماتهم كل في حدود مجاله واختصاصه.
يقول نظام الملك في هذا الصدد: (وعلى الحاكم ان لا يتوانى ولو للحظة واحدة في التعامل بحزم وجدّ مع اولئك الذين يرمون الى اثارة الشغب والاضطرابات والفتن، وسلب الامن والاستقرار من ارجاء المملكة، فتوفير الاستقرار والامن هو من ضروريات وشروط الحاكم العادل، ومن دون هذا الاستقرار لا يمكن لامور المملكة ان تنتظم، ولعمال الحاكم وولاته ان ينهكموا في العمل من اجل خدمة الرعية، وتوفير الرفاه والرخاء لها، وعدم ارهاقها بما لاتستطيع...).
(... ومع انعدام الامن والهدوء سوف لا يعود بامكان الناس ان يؤدّوا اعمالهم، ويقوموا بوظائفهم ومسؤولياتهم في اعمار البلاد، وتسيير شؤون المملكة ذلك لان الخوف والرعب يشلاّن حركة الانسان، ويمنعانه من مزاولة اعماله بشكل طبيعي لانهما سيستحوذان على قدر كبير من تفكيره، وبذلك فان انعدام الاستقرار والامن سوف يعجل في خراب البلاد، ويسهم في تعطيل الاعمال وبذلك يبتلي الناس بالفقر والمسكنة، والعوز...).
وفي جانب آخر من وصاياه بشأن تعيين السياسة المثلى لادارة البلاد، يؤكد الخواجه نظام الملك ان على الحاكم ان ينظر في شؤون ولاته وعمّاله، وان يحرص على سدّ حاجاتهم، ورفع مستواهم المعيشي، في نفس الوقت الذي يجب ان يكون فيه حريصاً على مراقبتهم، وتتبع سيرتهم في الرعية.
ويرى نظام الملك ان هذا الاجراء ضروري من اجل منع الفساد، وعدم الجاء عمّال الحكومة الى تلويث انفسهم باستلام الرشى، واخذ الجبايات، وممارسة القهر والظلم ضد ابناء الرعية وابتزاز الاموال منهم في سبيل سد النقص في دخولهم.
ويشير مؤلف الكتاب الى مجموعة من الوظائف والمناصب الحكومية التي يجب على الحاكم الاعلى ان يهتم باصحابها اكثر من غيرها نظراً الى اهميتها، وحساسيتها، وكونها ذات صلة مباشرة بالرعية.
ومن هذه الوظائف التي يذكرها المؤلف وظيفة القضاء اذ يقترح على الحاكم ان يجعل مرتب من يتولى هذا المنصب اعلى المرتبات بعد الحاكم نفسه، ذلك لان الانزلاق في مهاوي الظلم، واصدار الاحكام الجائرة بسبب الاهواء النفسية، والتعلق بالدنيا، والاستسلام للمغريات والشهوات.
فما بالك اذا كان المرتب الذي يستلمه القاضي ليس كافياً بالقدر الذي يستطيع من خلاله هذا المسؤول الحكومي ان يؤمن احتياجاته، ويسدّ نفقات اسرته وعياله، ففي هذه الحالة يزداد احتمال انحراف هذا القاضي وانجرافه في حب الدنيا خصوصاً اذا لم يكن يتمتع بالقدر الكافي من التقوى والذي يؤهله لعدم الانزلاق في تلك المهاوي.
والانسان - كما يؤكد نظام الملك- ضعيف بطبعه، سريع الانقياد لشهواته، واهوائه، يلحّ عليه الفقر والعوز فيلجآنه الى ارتكاب المآثم والمحارم الا من رَحِمَ ربّي.
مستمعينا الاحبة! وبعد كل تلك الاغراض والمواضيع المختلفة، والمتنوعة، والاخبار، والقصص، والوصايا الثمينة التي يوردها الخواجه نظام الملك، يختتم كتابه بالاشارة الى ان كل تلك المواضيع الشتى التي ضمنها كتابه من وصاياه وارشادات، ومن اخبار وقصص وحكايات تاريخية فيما يتعلق بالطريقة المثلى بادارة شؤون البلاد، وممارسة الحكم والسياسة، والتعامل مع الرعية، انما هي خلاصة لتجاربه، وخبراته كوزير، وكرجل مارس الحكم والسياسة لسنوات عديدة.
ولذلك فانه يرجو ويتمنى من الخالق عزوجل ان يكون ما سطره خالصاً لوجهه الكريم، وان ينفع به حكام المسلمين، ورعاياهم لكي لايبتلوا بآفة الظلم والجور، والغفلة عن شؤون الرعية، وصبّ اهتمامهم على مصالحهم ومنافعهم الشخصية.
ولكي يكون هناك تعاون، وثقة متبادلة بين الحاكم والرعية، علماً ان نظام الملك يعتبر ذلك التعاون، وهذه الثقة الدعامة الاولى، والركن الاساسي لنظام الحكم الناجح، فمن خلالهما تزدهر البلاد، وتسير امورها وشؤونها نحو الرخاء، ويستتب العدل، وينتشر الامن والاستقرار.
وبذلك يحقق الحاكم المسؤولية الالهية الملقاة على عاتقه، ويقوم بها خير قيام، ويجسد المفهوم السليم والصحيح لخلافة الله تعالى في الارض، حيث افترض سبحانه في الحكام وولاة الامر ان لا يدنسوا ساحتهم بالظلم، وان يحققوا المساواة بين ابناء رعيتهم، ويكونوا خدمة لهم، لا ان يسخروا الرعية لخدمتهم، ويتخذوا منهم سلماً لاشباع نزواتهم واهوائهم، كما يقول نظام الملك في خاتمة سفره النفيس والقيم سياستنامه او سير الملوك.
في ختام حلقتنا لهذا الاسبوع نشكر لكم اعزتنا المستمعين حسن الاصغاء. والى اللقاء في حلقة قادمة باذن الله مع سفر آخر من اسفار التراث الايراني.

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة