البث المباشر

الأديب السنائي وحكم حديقة الحقيقة -۱

الثلاثاء 24 سبتمبر 2019 - 08:52 بتوقيت طهران
الأديب السنائي وحكم حديقة الحقيقة -۱

اذاعة طهران - برنامج : عبارات و اشارات - فقرة : الأديب السنائي وحكم حديقة الحقيقة -۱

 

من روائع الادب الفارسي الاخرى التي خلدها لنا التاريخ، وكانت علامة بارزة من علامات التراث الانساني والمعرفي المسطرة باسلوب ادبي بليغ.
كتاب (اخلاق محتشمي) للخاجة نصير الدين الطوسي المنسوب الى مدينة طوس التي ذهب اليها لاكتساب المعرفة.
وُلِدَ هذا العالم والاديب سنة 597هـ، وتتلمذ على يد السيد فضل الله الراوندي، وقطب الدين الراوندي، وروى عن الشيخ برهان الدين الهمذاني القزويني.
وفي خلال اقامته في طوس التقى بجماعة من الاسماعيلية من قهستان، فتمكنوا من ضمّه الى جانبهم، فذهب معهم، وعمل في خدمة علاء الدين الاسماعيلي، ومحتشم قهستان ناصر الدين عبد الرحيم بن ابي منصور، وبتشجيع منه ترجم واُلّف العديد من الكتب.
وقد ظلّ في قلاع الاسماعيلية حتى سنة 654هـ، حيث استسلم ناصر الدين لهولاكو زعيم المغول، ثم ضمّ هولاكو الخاجة نصير الدين الى بلاطه لانه كان عالماً بالفلك.
ووصلت شهرة نصير الدين الى بلاد المغول نفسها، فبعث ملكها (منجوقا آن) يطلب من اخيه هولاكو ان يبعث بنصير الدين الى بلاطه، لكن هولاكو ابقاه لديه ليبني له مرصداً للنجوم، وامر بوضع اوقاف الممالك الايلخانية تحت امره حتى ينجز بناء المرصد، وبعد بضع سنوات اتمّ بناءه في مدينة مراغة بشمال غرب ايران، واعتبر من اعظم مراصد ذلك العصر.
يعدّ نصير الدين الطوسي من ابرز الفلاسفة، وعلماء الفلك الايرانيين، كما انه كان من كبار علماء الرياضيات واستطاع ان يحل كثيراً من المسائل الرياضية المعقدة.
ورغم انه عاش في عصرمضطرب الا انه لم ينقطع عن المطالعة، والتدريس، والتأليف، فكان شمعة مضيئة في ليل التتار المظلم، واستطاع بفضل ما احرزه من حظوة لدى المغول ان يحفظ كُتُباً وآثاراً نفيسة من الدمار، وان ينقذ العديد من المفكرين، والعلماء من الموت على يد هولاكو.
وبعد خروج نصير الدين من قلاع الاسماعيلية اخذ يدعو الى مذهب الامامية الاثني عشرية بحيث اعتبر من هؤلاء الائمة هم قادة الامة، وان من عداهم خارجون عن الاسلام.
وكان بالاضافة الى ذلك حُرّ الفكر، ولم يكن متعصباً لمذهبه، اذ كان يتحاور مع العلماء من شتى المذاهب، وقد ترجم كتاب (تطهير الاعراق) لابي علي مسكويه من العربية الى الفارسية وهذّبه، كما الّف كتاب (اخلاق ناصري) باسم ناصر الدين خورشاه، وفيه يظهر آراءه في الاسماعيلية.
كما الّف (زيج ايلخاني) اي، الزيج السلطاني، وتحدث فيه عن بناء مرصد مراغة، وفي العروض الف رسالة باسم (ميزان الافكار في شرح معيار الاشعار).
كما الّف كتاب (اخلاق محتشمي) الذي نحن بصدد استعراضه، والتعريف به في حلقة هذا الاسبوع، وفيه كثير من قواعد الاخلاق والحكمة والموعظة الدينية وغيرها.
يقع هذا الكتاب في اربعين باباً يتحدث اولها في الدين، وثانيها في معرفة النبوة والامامة، وخصّص الباب التاسع والثلاثون للامثال والشواهد والآداب والمواعظ، واما الباب الاربعون فهو في الحكايات والنوادر والنكت والنصائح.
ويمتاز الكتاب بان عباراته تتضمن كثيراً من الكلمات والمصطلحات العربية رغم استخدامه للصور والتشبيهات التي يستعملها الفلاسفة خاصة في بابيه الاول والثاني.
كما ترد فيه افكار ومصطلحات للباطنية الاسماعيلية لان الطوسي امضى فترة من حياته في قلاع الاسماعيلية وتأثّر بتعاليمهم.
ويستشهد الطوسي في كتابه بكثير من آيات القرآن الكريم، والامثال، والاشعار العربية النادرة، اما تسميته بـ (اخلاق محتشمي) فيرجع الى ان الكتاب يدور حول مكارم الاخلاق والفضائل.
وقد كان خاجة ناصر الدين عبد الرحيم بين ابي منصور محتشم قهستان في ايران قد بدأ تدوينه، ولكثرة مشاغله طلب من الطوسي ان يكمله، فكان ان سمّى الكتاب بهذا الاسم.
يقول نصير الدين الطوسي في الباب الاول من كتابه (اخلاق محتشمي) والذي يحمل عنوان (في الدين ومعرفة الخالق جلّ ذكره):
(مَنْ عرف نفسه فقد عرف ربّه، تفكّروا في نعم الله، ولا
تفكّروا في الله، الايمان عارٍ، ولباسه التقوى، وزينته الحياء،
وجماله العفّة، وثمرته العلم...).
وعن التوحيد، والعدل وسائر اصول الدين يقول الطوسي:
(التوحيد هو ان لاتتصور الله في الوهم، والعدل ان لاتتهمه. واصل الدين صحة اليقين. والمغبون من كان في دينه خلل، والمغبوط والمحسود مَنْ تمّ يقينه. ان غاية سعي العبد ان يتحد مع ربه، ونهاية هذا السعي ان يستغني عن غيره. لقد كنتُ اشرب الماء دوماً فيزداد عطشي، وحينما عرفت الله، رُويتُ دون ان اشرب الماء!).
وفي الباب الثاني الذي خصصه للحديث عن النبوة، والامامة، وخلوِّ الزمان منهما يقول الخاجة نصير الدين الطوسي في كتابه (اخلاق محتشمي) مشيراً ال منزلة النبي صلى الله عليه وآله:
(لو كان الخَلْقُ شجرةً لكان ثمرتها، ولو كان الناس معادن لكان ذهب هذه المعادن، ولو كانت الدنيا بستاناً لكان نخلها ورمّانها، ولو كانت الآخرة حيواناً لكان انسانها...).
وحول الكمال الانساني، وانواعه، يورد لنا الطوسي عن بعض الحكماء قولهم:
(للناس نوعان من الكمال، احدهما طبيعي، والآخر نطقي، فأما الكمال الطبيعي فانه لاينفك يتحد معه من باب الطبع. واما الكمال النطقي فلا يظفر به الاّ مَنْ كان اهتمامه وعنايته بنفسه في مباشرة الاعمال التي يكون فيها مختاراً بذاته وصادقاً سواء العلمية منها ام العملية.
فقد شبهوا الكمال الطبيعي بصورة حيوانية تتمثل في الدجاجة، والكمال النطقي بصورة حيوانية في البيضة، ولذلك فان الناس محتاجون في الكمال النطقي الى معونة تكميلية من الخارج، كما هو الحال في البيضة المحتاجة الى دجاجة تتولى حضانتها حتى تصل الى الكمال الخاص. فاذا ما اهتم الخَلْق دوماً بالكمال، فسوف يكون المكمل موجوداً بينهم على الدوام...).

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة