نواصل حديثنا عن الادعية المباركة ومنها دعاء الغيبة وهو الدعاء الذي يتلى في زمان الغيبة (غيبة الامام المهدي(ع)) وقد حدثناك عن جملة مقاطع متسلسلة منه نتقدم بجديد هو هذه السمات عن الامام(ع) وهي الصابر، الشكور، المجتهد، هذه السمات تتحدث كل واحدة منها عن سلوك خاص يختلف عما لحظناه مثلاً في لقاء سابق فيما جاءت السمات على نحو آخر يشترك ويفترق كل خط منها عن الآخر المهم هو ان نتابع هذه السمات ونقف عند اولاها، وهي سمة "الصابر" ...
قد يعترض قارئ الدعاء ويقول هل تجد من ضرورة للحديث عن ظاهرة لا يحملها ابسط الناس وهي ظاهرة الصبر؟! الا اننا نجيبه بان السمة المذكورة مع انها واضحة ولكن تحتاج الى مزيد من القاء الاضاءة عليها ... كيف ذلك؟
طبيعياً ثمة صابر يختلف عن صابر آخر فالنبي أيوب(ع) قد صبر على بلاء لم يتح للاناس العاديين ان يتوفروا عليه حتى لو كانوا من الدرجة العالية من الايمان ... ولكن النبي "ايوب" وهو معصوم يختلف عن سواه في عملية الصبر ... اننا لا نريد ان نحدثك عما ابتلي به ايوب(ع)، ولكننا استهدفنا تذكيرك فحسب بما يتميز به هذا النبي من سمة ذكرها القرآن الكريم في سياق سمات اخرى ذكرها لكل نبي مثل سمة "الصدق" التي ذكرها بالنسبة الى اسماعيل(ع) وسمة الخلة التي ذكرها بالنسبة الى ابراهيم(ع)، وسمة التكليم التي ذكرها بالنسبة الى موسى(ع) ...الخ، وبالنسبة الى "الصبر" فان الحديث عنه يتميز بخصوصية تختلف عن سواها وهذا ما نود الاشارة اليه ولو عابراً ...
من الواضح ان "الصبر" هو العملية النفسية الوحيدة التي تفسر لنا سلوك الانسان عبر تركيبته التي ركبها الله تعالى ... فالانسان يحيا صراعاً او تأرجحاً بين الخير والشر بين العقل والشهوة، فاذا قاوم الشهوة يكون حينئذ قد مارس "صبراً" على ذلك وبدونه لا يمكن للشخصية ان تنجح في الاختبار الذي يجريه الله تعالى على عباده.
من هنا لا تملك الشخصية غير الصبر على مقاومة شهواتها التي حرمها الله تعالى...
ومن هنا ايضاً تتميز عملية الصبر بفاعلية تختلف عن باقي الفعاليات ان كل فاعلية في مقاومة الشر تنتسب الى الصبر ككظم الغيظ مثلاً يعتمد على الصبر والعفو عن المسيء يعتمد على الصبر والطاعة بعامة تعتمد على الصبر والمعصية بعامة تعتمد على الصبر عنها وهكذا ...
وفي ضوء الحقيقة المتقدمة نتجه الى السمة التي ذكرها الدعاء وهي ظاهرة "الصبر" عند الامام(ع) فهل ان الصبر هنا يتماثل مع الصبر العادي عند الانسان طبيعياً... كيف ذلك؟
كما لاحظنا ان النبي ايوب(ع) عندما يصبر على بلاء غير عادي كذلك فان سمة "الصبر" عند الامام المهدي(ع) لابد وان تتميز بخصوصية غير عادية ... كيف ذلك؟
ان غيبة الامام(ع) ذاتها تقترن بظاهرة "الصبر" على نحو ملحوظ فلو قدر لنا مثلاً ان نتصور الكيفية التي يحياها الامام(ع) وهو يشاهد حوادث العالم ومواقفه منذ ان ولد وحتى لحظاتنا هذه عندئذ فان لكل منا ان يقدر مدى ما كابد من الشدة غير العادية لطبيعة الحال ...
بيد ان الاهم من ذلك هو ما ينتظره(ع) من المهمة الاصلاحية التي يضطلع بها في اصلاح المجتمعات من الانحراف وهو ما يفسر لنا ايضاً فاعلية "الصبر" الذي يصدر عنه(ع) ...
هنا يحسن بنا ان نشير الى ما يعقب عملية "الصبر" من سمات اشارت عبارة الدعاء اليها وهي سمة "الشكور" وبعدها سمة "المجتهد" واختتام مقطع الدعاء بها حيث ينطوي ذلك على نكات نحدثك عنها في لقاء لاحق ان شاء الله تعالى ...
اما الآن فحسبنا ان نعتبر بما نقرأ وان نمارس عملية "الصبر" في الطاعة وفي تجنبنا للمعصية وفي تدريب ذواتنا على اداء مهمتنا العبادية والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******