لا نزال نحدثك عن الادعية المباركة ومنها دعاء الغيبة أي الدعاء الذي يتلى في زمان الغيبة (غيبة امام العصر(ع))، وقد حدثناك عنه عبر مقاطع متسلسلة منه، وانتهينا الى مقطع يقول: (اللهم ومد في عمره وزد في اجله، اعنه على ما وليته واسترعيته، وزد في كرامتك له، فانه الهادي المهدي...) ...
هذا المقطع من الدعاء حدثناك عن قسمه الاول وهو: التوسل بالله تعالى بان يمد في عمر الامام(ع)، وان يزيد في اجله ... واما القسم الآخر او الثاني منه فيتوسل بالله تعالى بان يعينه على ما ولاه واسترعاه، وان يزيد في كرامته له، فانه الهادي المهدي...الخ.
والسؤال الآن ماذا نستخلص من الفقرات المتقدمة أي الاعانة على ما ولاه الله تعالى واسترعاه والزيادة في كرامة الله تعالى للامام(ع)؟ هذا ما نحاول توضيحه ...
بالنسبة الى العبارة الاولى وهي ان يعين الله تعالى الامام(ع) على ما ولاه واسترعاه فيعني ان المهمة الاصلاحية التي اوكلها الله تعالى الى الامام(ع) تتطلب من الله تعالى عوناً على ممارستها وادائها بالنحو المطلوب ...
هنا يجب لا نغفل عن التعقيب الذي ذكره الدعاء بعد توسله بالله تعالى بان يعين الامام(ع) وهو التعقيب القائل: (فانه الهادي المهدي والقائم المهتدي ...) حيث ان الهداية لمستوياتها المتقدمة "أي الهادي المهدي، المهتدي" تتجانس تماماً مع ما ينبغي ان يعتمد على عون الله تعالى ... وسنوضح هذا الجانب في لقاء لاحق انشاء الله ولكننا استهدفنا الاشارة الان الى صلة "عون" الله تعالى بالمهمة الاصلاحية الموكولة بالامام(ع).
والسؤال الآن هو تحديد المهمة التي اوكلها الله تعالى الى الامام(ع) حيث عبر الدعاء عنها بعبارة "واعنه على ما وليته واسترعيته"... ترى ما المقصود من التولية والاسترعاء؟ هذا ما نحاول الاجابة عنه ...
بالنسبة الى التولية فان الامر من الوضوح بمكان حيث تعني التولية ان الله تعالى جعل للامام(ع) مهمة هي ان يتولى رعاية مجتمعه أي يدير شؤون المجتمعات التي يبدأ (عليه السلام) بتحريرها من الفساد ثم بنائها وفق المبادئ التي رسمها الله تعالى ...
وهذا بالنسبة الى التولية ولكن ماذا بالنسبة الى الاسترعاء؟
ان قارئ الدعاء من الممكن ان يقول مثلاً ان التولية كافية بان تعبر عن المهمة الاصلاحية التي اوكلها الله تعالى للامام(ع) فلماذا اضاف اليها الاسترعاء؟ سؤال له اهمية دون ادنى شك ...
ان الاسترعاء يعني المهمة التي جعلها الله تعالى مقرونة برعاية الامام(ع) لمجتمعه ان الامام(ع) (راع) دون ادنى شك ... والراعي يختلف عن (الوالي) بكونه (يرعى) مجتمعه من خلال الحرص على مراعاة شؤونه بلطف ومودة وحنان، بينما الولاية هي اعم من ذلك حيث تنصرف الى المعنى الاجمالي العام لادارة شؤون البلد كما هو واضح ...
والان: خارجاً عن السياق المذكور نتجه الى العبارة الثالثة (وزد في كرامتك له) ... فماذا تعني؟ وما صلتها بالسابقة؟
مما لا ترديد فيه ان الكرامة من الله تعالى تعني اكساب الشخصية ومنحها درجة عظيمة من العناية وهذا ما ينسحب على مهمة الامام(ع) حيث ان الله تعالى حينما اوكل اليه قيادة المجتمع اللاحق فهذا يعني انه تعالى قد "اكرمه" بهذه المهمة من هنا فان الدعاء كما توسل بالله تعالى ان يمد من عمر الامام وان يزيد من اجله، وان يعينه على ما ولاه واسترعاه كذلك توسل بالله تعالى بان يزيد من كرامته للامام(ع) وهو امر يكشف بوضوح عن خطورة الشخصية الاصلاحية من جانب ومهمتها الاصلاحية من جانب آخر ... وسنرى ان شاء الله تعالى في لقاء لاحق صلة السمات الثلاث التي ذكرها الدعاء في تعقيبه القائل عن الامام(ع) بانه الهادي المهدي والقائم المهتدي ...
اذن امكننا ان نتبين بجلاء ماذا تعنيه العبارات المتوسلة بالله تعالى بان يعين الامام(ع) على ماولاه واسترعاه ويزيد في كرامته للامام(ع) ... والاهم من ذلك هو ان نوفق نحن القراء للدعاء الى المشاركة في موكب الامام(ع) والتوفيق لممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******