لانزال نحدثك عن الادعية المباركة، ومنها دعاء الجوشن الكبير، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن أحد مقاطعه الذي ورد فيه: (يا من جعل السماء بناء، يا من جعل الاشيا ء ازواجاً، يامن جعل النار مرصاداً) بهذه العبارات ينتهي احد مقاطع الدعاء، ويعنينا الآن ان نحدثك عنها، ونبدأ بالحديث عن عبارة (يامن جعل السماء بناءاً)، فماذا نستخلص من ذلك؟
من الواضح ان عبارة (يا من جعل السماء بناءاً) هي مقابل أو قبالة ما ورد في المقطع بالنسبة الي الارض حيث قال: (يا من جعل الارض مهاداً)، فالارض مهاد والسماء بناء من حيث تقابل أحدهما للاخر: اي الادني والاعلي، وقد ورد في نصوص أخري ان السماء بمثابة سقف للحفظ، كما ان الارض بمثابة مهد للسكن، بيد ان ما نعتزم ملاحظته الآن هو ان العبارات التي ختم بها المقطع بخاصة المقطع القائل: (يا من جعل الاشياء أزواجاً) حيث ختم ذلك بعبارة (يا من جعل النار مرصاداً)؟ قبل ان نجيبك عن السؤال المتقدم، يجدر بنا ان نذكرك بان عبارة (يا من خلق الاشياء أزواجاً) لم نحدثك عنها، فماذا تعني؟
من الواضح ان الاشياء الوجودية الكونية - كما ورد في نصوص قرآنية كريمة - تظل موضع أشارة الي زوجيتها نباتاً كانت أو جماداً أو بشراً، بمعني ان كل واحد منها شكل للاخر، ومنها: زوجية الذكر والانثي. لكن خارجاً عن ذلك نتساءل: ما هو السر الكامن وراء ختم المقطع الذي جعلت العبارات فيه - ما عدا الاخرة - تذكيرا بعظمة الله تعالي ونعمه، ثم جعلت الارض بهذا التعبير (يا من جعل النار مرصاداً)؟ في تصورنا ان المقطع قد استهدف الاشارة الي عطاء الله تعالي من جانب ونعمه من جانب آخر، وهما كافيان لجعل الداعي مقتنعاً بوحدانية الله تعالي، ولذلك جاءت العبارة الاخيرة لتقول لمن يكفر بالنعم، ومن يجسد عظمة الله تعالي، فان النار هي ترصده، أي: سيكون مقره النار والآن ينبثق سؤال جديد وهو خاص ببلاغة العبارة الاخيرة، حيث جعلت النار (مرصاداً) للكافر بينما في نصوص قرآنية متنوعة ترد أوصاف جهنم للكافرين بأنماط متنوعة؟
يلاحظ ان عبارة (يا من جعل النار مرصاداً) جاءت (تناصا) أو اقتباساً من القرآن الكريم وهو «إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا» وهذه العبارة هي صياغة فنية أي: صورة جمالية أوصورة مجازية تتمثل في كلمة مرصاد التي تعني لغوياً المكان الذي يرصد فيه العدو، اي المعد لامر مرتقب الوقوع، وبهذا يكون رمزاً أو استعارة لمصير الكافر، أي: مصيره الي النار. النكتة هي ان الكافر وقد ثبت له هذا العطاء، كما ثبت له: هذه العظمة ولكنه - مع ذلك - يجحد ما رآه ويثبت لديه، لذلك كما انه شهد هذه القدرات ورصد مصاديقها المتنوعة، فأن النار بدورها سترصده وتستعد له ما يتناسب وسلوكه المشار اليه.
*******