نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها دعاء الجوشن الكبير، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الان عن احد مقاطعه الذي ورد فيه: (يا منزل، يا منول، يا مفضل، يا مجزل، يا ممهل، يا مجمل). ونبدأ فنحدثك عن كل مظهر من المظاهر المتقدمة، واولها عبارة (يا منزل)، فماذا نستخلص؟
ما دمنا نعرف تماماً اننا نواجه الف سمة او اسم او مظهر من مظاهر عظمة الله تعالى، حينئذ فان مواجهة مختلف الانماط من السمات تظل من الوضوح بمكان، ولعل سمة (يا منزل) تقفز باذهاننا الى انه تعالى انزل علينا القران الكريم، ترى هل ان مجرد كون هذه السمة منحصرة في نزول القرآن يظل امراً لا خطورة فيه؟ كلا!؟ على العكس تماماً، ان (يا منزل) تنطوي على عظمة وخطورة لا حدود لهما، ان القرآن الكريم هو: رسالة الاسلام، هو خاتمة الرسالات، هو: دستور البشرية، هو كلام الله تعالى.
اذن ما اعظم واخطر واسمى ما نزل من الله تعالى على المجتمع الاسلامي، انه القرآن الكريم. بعدها نواجه عبارة (يا منول). فماذا نستلهم منها؟
المنول يعني الذي يقدم عطاء، الذي يقدم نوالاً، وهل غير الله تعالى هو المعطي والمنيل؟
اذن ما اخطر عبارة (يا منول) اي: يا صاحب النوال او العطاء، ان الله تعالى هو العطاء المحض، هو الرحمة الواسعة، هو النعمة السابغة.
اذن للمرة الجديدة: ما اخطر هذه السمة التي تذكرنا بعطاء الله تعالى، وهو عطاء لا حدود له، انه من الرحمة غير المحدودة لله تعالى.
بعدها نواجه عبارة (يا مفضل)، فماذا نستلهم منها؟
من البين ان الله تعالى ذو الفضل العظيم، ان الفقرة السابقة على عبارة (يا مفضل) هي (يا منول) اي: يا صاحب النوال، فما هو نواله تعالى؟ هو هذا الفضل، والفضل دلالته هي: الاحسان، ولكن ابتداء من دون علة، اي: ان العبد مثلاً يمارس طاعة معينة فيحسن اليه تعالى تبعاً لقوله: «هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ»، ولكن الفضل هو: احسان بدون مقابل من العبد، اي: ان العبد لا يقدم ما يستحقه من الاحسان، او: انه اساساً لم يحسن العبد الا ان الله تعالى يتفضل عليه بالاحسان اليه، وهذا هو منتهى العطاء والرحمة.
بعدها نواجه عبارة (يا مجزل). فماذا نستلهم منها؟
ان (الجزل) هو الكثير من الشيء، فاذا كانت العبارة السابقة على هذه العبارة نقول (يا مفضل) اي: البادئ باحسانه الى العبد، فان فقرة (يا مجزل) تعني: الاحسان في حجمه الاكبر، اي: انه تعالى لا يتفضل على عبده فحسب، بل يزيد في فضله واحسانه، وهذا هو الرحمة غير المحدودة.
هنا نذكرك باننا عندما قلنا ـ في لقاء سابق ـ بان هذا المقطع وسواه، عندما: تتوافق جميع عباراته اي: فواصله بايقاع واحد مثلمفضل، منول، مجزل، فان هذا التجانس بين الايقاعات ينطوي على تجانس بين الموضوعات، حيث رأينا مثلاً ان ثمة عبارة تقول (يا منول) ثم بعدها (يا مفضل) ثم بعدها (يا مجزل) نجد ان كل واحدة من الكلمات المتقدمة هي الامتداد لسابقتها، فالله تعالى له نواله وهذا النوال هو ابتداء في الفضل، وهذا الفضل هو الكثير منه، اذن العبارات المتقدمة كل واحدة منها تشير الى العبارة السابقة، وهذا بدوره أحد وجوه العظمة الالهية في ميدان البلاغة.
*******