نتابع حديثنا عن الادعية المباركة وما تحفل به من الموضعات التي ترفد القارئ بمعرفة عبادته عامة يفيد منها في تعديل سلوكه ومن ذلك ما سبق ان حدثناكم عنه وهو دعاء يتلى بعد زيارة الامام الرضا(ع) حيث يتضمن سلسلة من الاستغفارات التي تفصح عن طبقات العواطف ومستوياتها المرتبطة بنوعية الاستغفار وقد لاحظنا جملة من الاستغفارات في لقاءات سابقة مثل (رب اني استغفرك استغفار حياء، واستغفرك استغفار رجاء، واستغفرك استغفار انابة، واستغفرك استغفار رغبة واستغفرك استغفار رهبة...)هذه السلسلة من الاستغفارات حدثناكم عنها سابقاً ... اما الان فنتابع السلسلة المتقدمة حيث يقول الدعاء (واستغفرك استغفار طاعة واستغفرك استغفار ايمان، واستغفرك استغفار اقرار...) هنا نبدأ ونحدثكم اولاً عن الفقرة المستغفرة استغفار طاعة ...
طبيعتاً لا نحسبكم مترددين في معنى "الطاعة" ولذلك قد تسالنا ونقول ما هي انكات الكامنة وراء المعنى الملحوظ بوضوح في كلمة "الطاعة"؟ ونجيبكم فنقول صحيح ان الطاعة معروفة وتعني الالتزام بمبادئ الله تعالى وعدم ممارسة المعصية ولكن علينا ان ننظر السياق الذي وردت الكلمة المذكورة خلاله فقد سبق ان لاحظنا ان الحالات المتنوعة التي تزخر بها العمليات النفسية من حيث الاحساس بالذنب ومن حيث الطريقة التي ينبغي ان تصدر الشخصية عنها في كيفية اعتذارها ... الخ. فكان الاستغفار عن حياء حيناً وعن رغبة حيناً آخر وعن رهبة حيناً ثالثاً وهكذا ... اما الان فان الاستغفار هو استغفار شخص مارس ذنوباً ثم تاب منها ثم درب نفسه على ممارسة الطاعة وهذا نمط من الاستجابة المستغفرة لها اهميتها دون ادنى شك كذلك فان المطلوب هو تسليط مزيد من الضوء على هذا الموضوع.
من البين ان الندم على الذنب يجسد توبة من الذنب ولكن هل الندم وحده كاف في تحقيق معنى التوبة او في جعل الشخصية متسمة بسمة التقوى كما ان الندم هو مرحلة اولى والا فان الشخصية تندم صباحاً على ما صدر منها من ذنب ثم تمارس من جديد ذنباً وهكذا ...
اذن: الندم وحده لا يكفي بل لابد من خطوات اخرى متعددة سبق ان حدثناكم عنها في لقاءات متقدمة عنه ما تحدثنا عن مفهوم التوبة فلا نعيد ولكننا نذكركم فحسب بما رسمه الامام من الخطوات المتصلة بهذا الجانب ونكتفي بالاشارة الى مفهوم الطاعة بعامة فنقول: عندما يذكر الدعاء باننا نستغفره تعالى استغفار طاعة فمعناه هو اننا بعد ان مارسنا الذنب، ندمنا عليه وتبنا وقررنا الا نمارس ذنوباً جديدة ليس هذا فحسب بل نتجاوز ذلك الى تدريب ذواتنا على اكتساب الطاعة بحيث نلتزم باوامر الله تعالى وننتهي عن نواهيه وبذلك تكون الطاعة سبباً في الرجاء على غفران الذنب، حيث ثمة فارق كبير بين شخص يدعو وهو مماس للطاعة بعد هجرانه للذنب القديم، وبين شخص لا يمارس مبادئ الطاعة بنحوها المطلوب بقدر ما يؤرجح سلوكه بين الطاعة وبين الذنب الجديد، فلو فرضنا ان الشخص المذكور كان ممارساً للغيبة او للعمل الجنسي غير المشروع ثم تاب عنهما ولكنه ظل ممارساً لذنوب اخرى كالكذب والخداع والرياء والعدوان .... حينئذ فان امثلة هذا الشخص حتى مع اقلاعه وتوبته من الذنبين الماضيين وهما: الغيبة والممارسة الجنسية غير المشروعة ولكن هذا لا يخلع على الشخصية طابع الطاعة الان مجرد اقلاعه عن ذنب وقوعه في ذنب آخر غير كاف في اسباغ سمة الطاعة على سلوكه ...
من هنا فان الدعاء الذي نتحدث عنه عندما نقول (استغفرك استغفار طاعة) يعني ان قارئ الدعاء لا يمارس ذنوباً جديدة اياً كان نمطها وانما يمارس طاعة تسوغ له طلب المغفرة ما دامت الطاعة تجسد سلوكاً ملتزماً بمبادئ الله تعالى.
اذن: ادركنا دلالة الطاعة وصلتها باستغفار العبد، وانعكاساتها على مفهوم المغفرة ذاتها بصفة ان الاستغفار ليس مجرد نشاط لسان بل هو ندم على الذنب وعزم على عدم العودة واذابة الجسد في ممارسة الطاعة وارجاع كل ذي حق حقه ... وهو اثر ينبي ان نستثمره ونحن القراء للادعية وان نمارس تطبيقاً للطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******