السلام عليكم اخوة الإيمان ورحمة الله نتابع معاً في هذا اللقاء استلهام قيم التوحيد والعبودية الخالصة لله عزوجل عبر التأمل بالدعاء الجليل الذي امرنا مولانا املم العصر ارواحنا فداه بتلاوته بعد الزيارة المروية عنه والتي يُزار بها جده سيد الشهداء (عليه السلام) يوم عاشوراء.
وقد انتهينا بفضل الله تعلى الى مقطع يقول فيه الزائر بعد ان يطلب المغفرة من ربه الغفور الرحيم: (اللهم انك امرتنا فعصينا، ونهيت فما انتهينا، وذكرت فتناسينا وبصّرت فتعامينا، وحذرت فتعدينا. وما كان ذلك جزاء احسانك الينا).
ولنا ايها الأعزاء وقفة عند هذه الكلمات النورانية تأتيكم بعد قليل.
أسلفنا في الحلقة السابقة ان من خصوصيات ادعية اهل البيت (عليهم السلام) انها مثلما تعلم المؤمن ما الذي يطلبه من الله عزوجل في دعائه تجهزه بما يعينه على الإستعداد للحصول على ما يطلبه. وفي الفقرة السابقة لفقرة هذا اللقاء طلب الداعي من الله المغفرة وأن يغفر له خطيئته، وهنا يجهز الدعاء المؤمن بما يعينه على الفوز بهذه المغفرة الكريمة وذلك بأزالة العوامل التي تؤدي الى الإصرار على المعصية والحرمان من المغفرة الإلهية؛ ولكن كيف يتحقق ذلك؟
في الإجابة عن هذا السؤال نقول: ان العامل الأساس الذي يحرم الإنسان من التوبة ومن المغفرة الإلهية هو عدم استشعار بشاعة الخطيئة وعدم الخشية من عواقبها وما الذي تعنيه من تحدٍّ لجبار السموات والأرض شديد العقاب من جهة ومن جهةٍ ثانية من انكار وجحود لإحسان محسن احاط الإنسان بأشكال النعم الكريمة. وهذا العامل تزيله هذه الفقرات النورانية من الدعاء المهدوي المبارك.
الداعي هنا يُقرُ اولاً في محضر الواحد القهار عزوجل بتمامية الحجة عليه فيما ارتكبه من خطايا ومعاصي، فيقول: (اللهم انك امرتنا فعصينا ونهيتنا فما انتهينا).
فهنا ينفي امكانية الإعتذار بالجهل وعدم العلم بأن ما ارتكبه من معاصٍ يبغضها الله جل جلاله، بل يُقِرُّ بأن ما ارتكبه كان عصياناً لأوامر الحكيم الذي لايأمر الا بما فيه صلاح الإنسان وإنغماساً فيما نهى الرؤوف الرحيم الذي لاينهى الا عما فيه ضرر الإنسان وشقائه، ثم وفي العبارة التالية ينفي امكانية الإعتذار بالنسيان او عدم القدرة على تمييز المعاصي او عدم معرفة اضرارها وأخطارها فيقول: (وذكّرت فتناسينا وبصّرت فتعامينا وحذرت فتعدينا). الله تبارك وتعالى يذكرنا بأستمرار بمغبة المعاصي وآثارها المدمرة للإنسان سواءً عبر ماغرسه في فطرة الإنسان من التوجس ولوم الإنسان على ارتكاب المعاصي او عبر كلام ومواعظ كتابه المجيد وأوليائه المعصومين (عليهم السلام) فإي حجة لنا بعد ذلك؟
ويلاحظ هنا، استخدام هذا الدعاء لفعل (تناسينا) وليس لفعل (نسينا) الذي يفيد مطلق النسيان غير العمدي، في حين ان فعل تناسينا يشير الى تعمُّد النسيان وفي ذلك اشارة الى الغفلة عن التذكر الإلهي بالورع عن المعاصي هي امرٌ عمدي مفتعل من قبل العاصي وليس هو الأمر الطبيعي الفطري.
أما العبارة اللاحقة وهي: (وبصرّت فتعامينا) فهي تسلب من العاصي حجة التجاهل وإدعاء عدم معرفة المعاصي وتمييزها في افعالها، فقد بصرنا الله بالمعاصي بواسطة كتابة وأوليائه فضلاً عن فطرته التي غرسها في وجودنا فإرتكاب المعاصي رغم ذلك هو من التعامي الذي توقعنا في حبائله النفس الأمارة بالسوء.
وتتم الحجة بالكامل على العاصي بملاحظة العبارة الثالثة وهي: (وحذرت فتعدينا)، اذ ان الله جعل في فطرة الإنسان النفس اللوامة التي تحذره من اخطار المعاصي التي تعزز تحذيرات كتاب الله ومواعظ اوليائه، ولذلك فإن ارتكاب المعاصي رغم ذلك هو مصداقٌ كامل للتعدي والعدوان العمدي على حدود الله جل جلاله.
وبتذكير الداعي نفسه بهذه الحقائق يوجد فيها قبسة نورانية تجعلها تنفر من المعاصي وتتأهل للفوز بالمغفرة الإلهية التي تطهر قلب الداعي من اثار المعاصي. وهذا الأثر تعززه العبارة الأخيرة في هذا المقطع وهي التي تثير في العاصي فطرة وجوب شكر المحسن وتؤنبه على ان عصيان المحسن هو من اوضح مصاديق جحود الإحسان، فيخاطب الداعي ربه الجليل قائلاً: (وما كان ذلك جزاء احسانك الينا).
أجارنا الله وإياكم اخوة الإيمان من ان نكون من اهل الجحود لإحسان ربنا العظيم تبارك وتعالى.
اللهم امين وبهذا ينتهي لقاء اليوم من برنامج ينابيع الرحمة استمعتم لها من طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. شكراً لكم ودمتم في رعاية الله وحفظه.