لانزال نحدثك عن الادعية المباركة، ومنها دعاء الامام المهدي (عليه السلام) في تعقيبه لصلاة الفطر حيث حدثناك عن مقاطع منه، وانتهينا من ذلك الى مقطع جديد ورد على النحو الاتي: (اللهم اني اسألك ان تجعل فيما شئت واردت وقضيت وقدرت وحتمت وانفذت ان تطيل عمري، وتنسئ في اجلي، ... الخ)، هذا النص يتضمن جملة من المصطلحات المتجانسة أو المتماثلة، حتى ان البعض يستخدم احد المصطلحات مترادفاً في مقابله، مع انه مختلف عنه وهذا، كالارادة أو المشيئة، بحيث يستخدم عبارة (شاء)مكان عبارة (اراد) مع ان اللغة تأبى ذلك، والمهم ان ما نعتزم تكراره هو: ان المعصوم (عليه السلام) معصوم من الخطأ مطلقاً سواء اكان في ميدان السلوك ام الفن، لذلك فان ما نبدأ بتوضيحه هو: ملاحظة هذه المصطلحات ومنها ما ورد في الفقرة الاولى وهي: (اللهم اني أسألك ان تجعل فيما شئت واردت) فهنا قد استخدم الامام (عليه السلام) عبارة (شئت) وعبارة، (اردت) فماذا يعني بهما؟
ان هاتين العبارتين وغيرهما وردت في المقطع على هذا النحو: (ان تطيل عمري وتنسئ في اجلي)، حيث ان العمر والاجل متجانسان، وحيث ان الاطالة والانساء ايضاً متجانسان، فضلاً عن عبارات وردت في المقطع مثل (قضيت) و (قدرت) الخ. اذن: نتساءل الان: ما هو الفارق بين عبارة (شئت) و (اردت)؟ هذا ما نبدأ بتوضيحه الان.
يقول احد المصادر اللغوية بأن الارادة هي: تكون لما يتراخى وقته ولما لا يتراخى، والمشيئة لما لم يتراخ وقته، فالملاحظ هنا ان العنصر المشترك بين المصطلحين هو: انجاز عمل ما، لذلك فان اطالة العمر مثلاً تخضع لارادة الله تعالى ومشيئته من زاوية واحدة من حيث النظر الى انجازه تعالى لأحدهما واما من الزاوية الاخرى فيتحدد الفارق بينهما في حالة مَا يَشَاءُ عن حالة مَا يُرِيدُ، انه تعالى في عبارة: (مَا شَاء اللّهُ تعالى) مثلاً، وفي عبارة: «إِذَا أَرَادَ الله تعالى لشيء أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» نجد ان عبارة (مَا شَاء اللّهُ: كان) مقابلة لعبارة (مَا شَاء لم يكن) اي: لا تراخي في ذلك، فاما الانجاز واما عدمه، ولكن بالنسبة لارادته تعالى ثمة مجال لانجاز بقائه تعالى في حالة ارادته، والا فان التراخي وعدمه في زمن الفعل يرتبط بما تتطلبه حكمته، والامر كذلك بالنسبة الى طول عمر الانسان: نجد ان الامر يتعلق بمشيئته وارادته في الاطالة للعمر أو عدمها.
ونتجه الى المورد الثاني في المقطع وهو (وقضيت وقدرت)، فماذا نجد من الاشتراك والافتراق بين العبارتين؟
يشير المعنيون بهذا الموضوع ان (القضاء) هو تحقق الانجاز بعد استكمال علله: كما لو عمل العبد مثلاً عملاً صالحاً يتوقف على جملة مستويات: كأن توضأ وصلى ودعا والتزم بالطاعة: حينئذ فان الله تعالى (يَقْضِي) عليه بانجاز ما توسل به العبد، ولكن(القدر) هو: التقدير للاشياء بحسب متطلبات حكمته تعالى، فالمقدر لعمر هذه الشخصية او تلك مثلاً هو: (٤۰) سنة، ولكنه وصل رحمه فحينئذ اضاف الله تعالى لعمره (۳۰) فأصبح (۷۰) سنة وهكذا.
اذن عندما يتوسل بان يطيل الله تعالى عمره، حينئذ يتوقف ذلك على قضاء الله تعالى وقدره في ضوء سلوك الشخصية المذكورة، وما يواكب ذلك من الافعال والنوايا التي توفرت عليها الشخصية، المذكورة: كما اوضحنا.
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى ملاحظة سائر ما ورد من مقطع الدعاء لاحقاً (ان شاء الله تعالى) سائلين الله تعالى أن يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******