نواصل حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها دعاء الامام المهدي (عليه السلام)، في تعقيبه لصلاة الفطر، حيث حدثناك عن مقاطع منه، وانتهينا من ذلك الي مقطع ورد فيه: (اللهم اقلبني من مجلسي هذا، في شهري هذا، في يومي هذا، في ساعتي هذه مفلحاً منجحاً، مستجاباً لي دعائي، مرحوماً صوتي، مغفوراً ذنبي، معافيً من النار، ومعتقاً منها عتقاً لارق بعده ابداً، ولا رهبة يا رب الارباب)، ان هذا المقطع من الدعاء يحفل بما هو طريف من الدعاء من حيث دلالته ونمط التوسل فيه، ومع انه مكرر في بعض فقراته، الا ان التكرار نفسه يتفاوت عن سابقه كما سنلحظ، هنا نعتزم لفت نظرك الي ظاهرة التكرار في فقرات أو دلالات الادعية وسواها من النصوص الشرعية كالقرآن الكريم مثلاً في تكراره للقصص ولغيرها، حيث يتعين علي قارئ النصوص ان يدرك ان التكرار في النصوص الشرعية لابد وان يحدث في سياقات متنوعة الا في حالة واحدة هي: ان التكرار قد يشكل نهاية او بداية لمقطع جديد كعبارة: «فبأي الاء ربكما تكذبان» في سورة الرَّحْمَنُ، او كعبارة اللهم صل علي محمد وال محمد (عليهم السلام) مثلاً في الادعية، خارجاً عن ذلك فان التكرار يرد في سياق يختلف عن سابقه، وحتي ما يرد في بداية او ختام المقاطع فانه يرد في مقطع جديد كما هو واضح.
الان في ضوء التذكير بهذه الحقيقة نلفت نظرك الي ان الدعاء الذي نتحدث عنه ورد فيه في مقطع متقدم: (فأرض عني الساعة الساعة الساعة، واجعلني في هذه الساعة، وفي هذا المجلس من عتقائك من النار، وطلقائك من جهنم)، ورد هذا بعد قوله: (ان كنت لم ترض عني في هذا الشهر)، هذا ما ورد في مقطع سبق. اما ما ورد الان فان التكرار فيه لعبارة (الساعة) ولعبارة (العتق من النار) متفاوتاً علي نحو ما نلاحظه: لقد ورد الحديث عن الساعة بهذا النحو: (اللهم اقلبني من مجلسي هذا، في شهري هذا، في يومي هذا، في ساعتي هذه)، تأمل جيداً ان سياق الدعاء يختلف عن السياق الاسبق من حيث ورود (الساعة) متدرجة بعد الشهر واليوم بينما وردت (الساعة)، سابقاً منفردة غير مرتبطة بالشهر واليوم، وهذا فارق بين ورودهما في سياقين.
بعد ذلك نواجه تكراراً لظاهرة: (العتق من النار)، حيث نقرأ في مقطع الدعاء الاسبق (من عتقائك من النار، وطلقائك من جهنم)، بينما نقرأ في الدعاء الحالي تعبيراً آخر هو: (معافي من النار، ومعتقاً عتقاً لارق بعده)، واضح ان هذا النص يختلف عن سابقه الا في عبارة (عتقاء) و(معتقاً عتقا)، اذن: التفاوت بين التكرارين من الوضوح بمكان. والان بعد تعقيبنا علي موضوع التكرار، نتجه الي مقطع الدعاء ونحدثك عنه بحسب تسلسله.
يقول الدعاء: (اللهم اقلبني من مجلسي هذا، في شهري هذا، في يومي هذا، في ساعتي هذه منجحاً مفلحاً، ... الخ)، لقد ورد مصطلح (اقلبني من مجلسي) مقتبساً من عبارة الدعاء المعروفة: (يا مقلب القلوب والابصار)، اي: مستثمرة هذا النص لتصوغه في سياق خاص كما هو واضح. بيد ان ما يتعين علينا توضيحه هو: الفارق بين النجاح والفلاح، حيث لاحظنا ان الدعاء يتوسل بالله تعالي بأن يقلبنا من مجلسنا هذا مشفوعاً بالنجاح والفلاح، فما هو الفارق بين المصطلحين؟
في تصورنا ان (الفلاح) هو: الظفر بتحقيق الهدف، فقوله تعالي مثلاً: «قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا»، يعني: حقق هدفه، ولكن (النجاح)هو: انه تسلم وثيقة ذلك اي: المرحلة التالية للفلاح.
اذن امكننا ان نتبين جانباً من النكات الكامنة في هذا المقطع من الدعاء سائلين الله تعالي ان يوفقنا الي استكمال الحديث في لقاء لاحق ان شاء الله تعالى.
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الي النحو المطلوب.
*******