نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها أدعية الامام المهدي (عليه السلام)، حيث حدثناك عن أحد أدعيته الخاص بقراءته في حرم الحسين (عليه السلام) جاء فيه: (ولا أمراً الا اتممته، ولا مالاً الا كثرته، ولا خلقاً الا حسنته، ولا انفاقاً الا خلفته ولا حالاً الا عمرته ولا حسوداً، ... الخ)، ان هذه الفقرات ومع كونها في سياق الدعاء الوجداني الا انها كما كررنا تجسد بعداً تربوياً يتناول سمات الشخصية الاسلامية السوية كما يتناول البناء الاجتماعي وتحقيق توازنه، فضلاً عما يتناوله من تطلعات عبادية دنيوياً واخروياً، والآن: لنتحدث عن كل منها ونبدأ ذلك بعبارة (ولا أمراً الا أتممته) فماذا نستلهم؟
من البين ان هذه العبارة تتناول ظاهرة الاصلاح الاجتماعي الذي يضطلع به الامام المهدي (عليه السلام) حالة ظهورة، ولكن العبارة في الآن ذاته تتناول البيئة او المجتمعات المعاصرة، حيث لا يتم اصلاحها الا بظهوره (عليه السلام)، والمهم انها ترشح بدلالة مزدوجة بالنحو الذي احتملناه.
ننتقل بعد ذلك الى عبارة (ولا مالاً الا كثرته)، ترى: ماذا نستلهم من هذه العبارة؟ هل ان تكثير المال يجسد هدفاً عبادياً؟
في تصورنا ان (الكفاف) هو القاعدة التي يلح الشرع الاسلامي عليها وليس المال الكثير الزائد على الحاجة الا في حالة توظيفه للاهداف العبادية او لنقل: ان الكثرة في المال تقابل القلة فيكون الدعاء بتكثيره هو: تجاوزه لما هو قليل لا يكفي.
بعدها نتجه الى عبارة (ولا خلقاً الا حسنته) فماذا نستخلص منها؟ لا نحتاج الى ادنى تأمل حتى ندرك سريعاً اهمية هذه الفقرة، من حيث صياغة الشخصية الاسلامية السوية. ان (حسن الخلق)، يظل معياراً مشتركاً بين التصور الاسلامي والتصور الارضي لمفهوم الشخصية السوية مقابل الشخصية العصابية او المضطربة او المريضة. المهم: ان هذه السمة (حسن الخلق) لها انعكاساتها على طرفي التعامل: الشخص والاخر اي: ان الشخص اذا اتسم بحسن الخلق: فذلك تعبير عن سويته، كما ان الشخصية الناجحة هي التي تألف وتؤلف، فهي تألف بحسن خلقها، وتؤلف اي: ان الاخرين يألفونها لانهم يواجهون شخصية تتعامل واياهم بمحبة ورفق ولين وتسامح ... الخ.
ونتجه الى عبارة جديدة هي (ولا انفاقاً الا اخلفته) ، فماذا نستلهم منها؟
الانفاق احد مصاديق الشخصية السوية المنفتحة على الاخر، فاذا عرفنا ان احد معالم السواء هو: الانفتاح على الآخر وليس الانغلاق على الذات عندئذ نفهم بان الانفاق بصفته عرضاً معبراً عن التوجه الى الاخر بما يقدمه الى الاخر من المساعدة، عندئذ ندرك تماماً معنى الاستواء النفسي عند الشخصية الاسلامية ثم ما تحققه من التوازن الاجتماعي ايضاً حيث ان الانفاق يسد الحاجة لدى الغير ويزيح توتراتها، كما هو واضح.
يضاف الى ذلك ان هذا الانفاق قد رسم له الدعاء ثواباً عاجلاً هو: التعويض اي ان ما ينفقه الشخص سوف يعوضه الله تعالى بمثله أو بأضعافه كما ورد بذلك النص القرأني الكريم. اذن الانفاق للمال ثم تعويضه للمنفق يظل واحداً من أهم الملاحظات التي ينبغي الوقوف عندها، بصفة ان المساعدة للاخر لا تنحصر في الآجل (ثواب الاخرة) بل تنسحب على العاجل (ثواب الدنيا) ايضاً بالنحو الذي اوضحناه.
ختاماً نسأله تعالى ان يجعلنا من المنفقين في سبيل الله تعالى، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******