نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها أدعية الامام المهدي (عليه السلام) حيث حدثناك عن أحدها الخاص بقراءته في مشهد الامام الحسين (عليه السلام) وانتهينا من ذلك الى مقطع ورد فيه: (اللهم لاتدع لي في هذا المشهد المعظم والمحل المكرم ذنباً الا غفرته، ولا عيباً الا سترته ولا غماً الا كشفته، ولا رزقاً الا بسطته، ولا جاهاً الا عمرته، الخ ...)، ان هذا المقطع يتضمن ما يقترب من الثلاثين توسلاً تشكل بمجموعها أهم الحاجات الدنيوية والاخروية في شتى الانماط: اقتصادياً واجتماعياً واخلاقياً وامنياً ... الخ، وسنحدثك ان شاء الله تعالى عن كل مفردة من التوسلات المذكورة لانها تتطلب تحليلاً نفسياً واجتماعياً وليست مجرد حاجات بقدر ما هي: مفردات تربوية: كما سنرى.
المفردة الاولى من التوسل هي: (اللهم لا تدع لي في هذا المشهد المعظم والمحل المكرم ذنباً الا غفرته)، فماذا نستخلص منها؟
طبيعياً لا ضرورة لان نحدثك عن الذنب وغفرانه نظراً لوضوحه في الاذهان جميعاً، الا اننا نحدثك عن المكان الذي توسل به الامام (عليه السلام) بالله تعالى من خلال قدسيته وهو: روضة الامام الحسين (عليه السلام) حيث وصف الامام المكان بوصفين هما: المشهد المعظم، والمحل المكرم، فماذا نستلهم من هاتين الصفتين؟
المشهد هو: المكان الذي يخضع لمشاهدة الاخرين، واما المحل فهو: المكان المذكور فيما يحل الزوار فيه، وبهذا نستطيع ان نذهب الى ان العبارتين او الفقرتين تشيران الى محل المشاهدة اي: ما شاهده الزائر اولاً ثم ما يحل فيه وهو: الروضة الحسينية، اذن: المشهد والمحل يعنيان ما أوضحناه، ولعلك تسأل بعد ذلك فتقول: لم وصف الامام (عليه السلام) (المشهد) بأنه (معظم) ووصف(المحل) بانه (مكرم) ؟، هذا ما سنوضحه الآن.
بما ان الزائر اول مراحل حضوره الى الروضة، سوف (يشاهد) الروضة والمشاهدة ذاتها تخلق لدى المشاهد احساساً بعظمة الروضة: لانها الملمح الخارجي للمرقد المبارك، ولذلك فان الاحساس بعظمة المشهد يفسر لنا سبب وصفه بالمشهد (المعظم)، واما(المحل) وهو نفس الروضة التي يرقد الامام الحسين (عليه السلام) فيها فلابد وان يتصف بالتكريم، وهل ثمة شخصية تستحق التكريم مثل الامام الحسين (عليه السلام) وسائر المعصومين‼ اذن التكريم للمحل والتعظيم للمشاهدة.
ونتجه الى المفردة الثانية وهي: (لا تدع لي ذنباً الا غفرته ولا عيباً الا سترته) هذه المفردة تحتاج الى تعقيب سريع وهو: ان العيب أعم من الذنب وسواه، وهو قد يكون عبادياً أو عادياً فمثلاً: السمات الشخصية لدى الاسوياء اذا عرض لها عرض، تجسد حينئذ سمة مضطربة لدى الشخصية وهو عيب اجتماعي، ومع أن مطلق العيوب تنسحب على الظاهرة او السمة العبادية ايضاً: كالخجل مثلاً: كما لو كان الشخص لا يمتلك ثقة بنفسه فخجل من المحادثة مع الاخر او أمام الجمهور فان هذا الخجل وإن كان اجتماعياً الا انه ينسحب على مواقفه العبادية، فخجل مثلاً من ممارسة الامر بالمعروف أو تعليم الاخرين مبادئ الشريعة وهكذا، المهم: ان العيب بنمطيه: العبادي والاجتماعي، يظل من المظاهر المقترنة بالوجدان الاجتماعي لدى الشخصية، اي: تفقد الشخصية كرامتها بسبب العيب المذكور، وهذا في حالة ما إذا كان العيب اجتماعياً، اما اذا كان عبادياً صرفاً: كالذنب فان المذنب غالباً ما يمارس ذنبه في الخفاء فاذا هتك امام الاخرين (اي: ظهور العيب): حينئذ تنعكس شخصيته والله تعالى لا يرضى لعباده الفضيحة بل هو الستار للعيوب: كما هو واضح.
اذن امكننا ان نتبين ولو عاجلاً جانباً من الدعاء المذكور سائلين الله تعالى ان يغفر لنا ذنوبنا ويستر عيوبنا ويوفقنا الى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******