البث المباشر

شرح فقرة: "اللهم جللني بنعمتك، ...".

السبت 27 يوليو 2019 - 12:16 بتوقيت طهران

نواصل حديثنا عن الأدعية المباركة، ومنها أدعية الامام المهدي (عليه السلام)، حيث حدثناك عن احد أدعيته التي تقرأ في مشهد الامام الحسين (عليه السلام)، حيث ورد فيه القسم على الله تعالى بالنبيّ وبالحسين (عليه السلام)، بان يكشف عن قارئ الدعاء شدائده، ومنها الفقرات الآتية المفصحة عن ذلك بقوله (عليه السلام): (وتصرف عني شرّ القدر المحتوم، وتجيرني من النار ذات السموم) . وقد حدثناك عن ذلك في لقاء سابق. اما الآن فنتجه الى مقطع جديد بدأ بهذا النحو: (اللهم جللّني بنعمتك، ورضنّي بقسمك، وتغمدني بجودك وكرمك، ...) ، هذا المقطع تتظمنه ثلاث عبارات او ثلاثة موضوعات هي: عبارة: (جللنيّ بنعمتك)وعبارة (رضنّي بقسمك) وعبارة (تغمدني بجودك وكرمك) . والآن نحدثك عن هذه العبارات، ونبدأ بالاولى، وهي (جللني بنعمتك) ، فماذا نستلهم منها؟.
التجليل هو: التعميم او التغطية، فاذا اخذناها بالمعنى الثاني (التغطية) او (الغطاء): حينئذ نكون امام عبارة صورية هي: الاستعارة،.. واما اذا اخذنا، الكلمة (جلّلني) بمعنى (التعميم): حينئذ نكون امام عبارة مباشرة هي: التوسل بالله تعالى بان يعم النعمة على قارئ الدعاء، اي: يجعلها شاملة تنسحب على كلّ مفردات النعمة المتصوّرة.
واما في حالة: أخذنا المعنى الآخر (الغطاء) فإنّ الصورة الاستعارية تعني: ان يغطّي الله تعالى عبده بالنعيم بحيث يلتحف بها: تعبيراً عن شموليتها لكل الحالات المرتبطة بقارئ الدعاء.
ونتجه الى العبارة الثانية، فماذا نجد؟ تقول العبارة: (رضنّي بقسمك) .
نتساءل: ماذا نستخلص منها؟
الجواب: الرضا بقسم الله تعالى، سواء كان في ميدان الرزق او سائر الظواهر التي تطال الشخصية كالمرض ونحوه، هذا النمط يرضاه تعالى في قسمته يظل من السمات العبادية التي تطبع سلوك الاتقياء والاسوياء.
وقد تسأل: ما هو الفارق بين الاتقياء والأسوياء؟
الجواب: التقيّ هو من يلتزم بمبادئ الله تعالى، ومنها: رضاه بما يقسمه مثلاً من شحة في الرزق أو مرض في البدن.
واما السويّ فهو: الشخصية التي لا تحسد ولا تعتدي ولا تجزع ولا تطمع الخ، اي: الشخصية المتحررة من الامراض النفسية. امثلة هذه الشخصية ترضى بما هو واقع حياتها من حيث عدم الاشباع لحاجاتها كاملاً، انها تقنع بما قدّر لها من قلة رزقها أو شدة مرضها.
ومن الواضح، ان القناعة بما قسم الله تعالى تعدّ من الكنوز التي لا تفنى تبعاً لقول الامام (عليه السلام): (القناعة كنز لا ينفد) ، بصفة ان القانع مكتف بما لديه ولا يتطلع الى المزيد من الاشباع، وبذلك يكون آمناً لا اضطراب في حياته كما هو واضح.
ونتجه الى الموضوع الثالث من المقطع وهو (و تغمدني بجودك وكرمك) . فماذا نستلهم منها؟ إن كلمة (تغمّد) تعني: ملأ او غمر، فيكون المعنى هكذا: "اللهم اغمرني بالجود وبالكرم،..."، اي: اجعل جودك وكرمكيملأ جميع حاجاتي، حيث لا حدود لكرم الله تعالى وجوده، هنا لعل القارئ للدعاء يتساءل عن الفارق بين (الجود) و (الكرم) ، حيث ان الامام (عليه السلام) لا يستخدم المترادفات لمنافاتها للعصمة في الكلام، لذلك ينبغي أن نبين الفارق بوضوح بين (الجود) و (الكرم) ، وهو أمر حدثناك عنه في لقاءات سابقة، ولكننا الآن نشير عابراً الى اهم الفوارق بينهما، حيث ان اللغويين يقولون: ان (الجود) هو: الاعطاء مع السؤال، واما (الكرم) فهو: الاعطاء من غير سؤال، وهذا يعني ان قارئ الدعاء يطلب من الله تعالى ان يمنح كليهما، اي: ان يعطيه ما سأل، وان يعطيه ما لا يسأل ايضاً، تبعاً لما ورد في احد الادعية: (يا من يعطي من سأله، ويا من يعطي من لم يسأله تحنناً منه ورحمة،...).
اذن ان عطاء الله تعالى من السعة بحيث يعطي عبده حتى ما لم يسأله وهو: الرحمة بلا حدود.
ختاماً نسأله تعالى ان يعطينا ما نسأل وما لا نسأل، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة