شرح فقرة: "وتفضل على علمائنا بالزهد والنصحة، ...". لا نزال نحدثك عن أدعية الامام المهدي (عليه السلام) ومنها، دعاؤه الجامع لأمور الدنيا والاخرة، حيث حدثناك عن احد مقاطعه الحافل بجملة توسلات، وانتهينا من ذلك الى الفقرات الآتية: (وتفضل على علماؤنا بالزهد والنصيحة، وعلى المتعلمين بالجهد والرغبة، ... الخ) . ان هاتين الفقرتين تتضمنان التقابل بين العالم والمتعلم، وهو موضوع يتسم بالاهمية البالغة، مادمنا نعرف تماما ان الامة تقوم اساساً على هذين العمودين، بيد ان المطلوب هو: مراعاة المبادئ التي تنتظم ظاهرة التعلم والتعليم، وهذا ما تضمنته الفقرتان المتقدمتان، حيث ربطت بينهما اتساقا مع طبيعة الاسلوب الذي سلكه الدعاء في التوسل، حيث يطرح ظاهرتين لكل توسل، وهما (الزهد والنصيحة) بالنسبة الى العالم، والجهد والرغبة الى المتعلم، ونظراً لأهمية هذه المبادئ يحسن بنا ان نحدثك عنها بعض الحديث. تقول العبارة المتوسلة بالله تعالى بان: (يتفضل على علمائنا بالزهد والنصيحة ). هنا يتساءل قارئ الدعاء: ما هي الاسباب الكامنة وراء تخصيص العلماء بالزهد والنصيحة دون سائر السمات المرتبطة بكيان الشخصية؟ الجواب: لا ترديد في ان العالم هو القدوة في السلوك ولا ترديد في ان الاقبال على العلم (ويقصد به: علم الشريعة وما يرتبط بها) يظل هو المطلوب اساساً في حياة الشخصية الاسلامية، فما دام الله تعالى يقرر بانه ما خلق الانس والجن الا ليعبدوه أو ما خلق الانسان الا ليصبح خليفة الله تعالى، عندئذ فأن مبادئ الخلافة او العبادة تتطلب (تعلماً) او (تعليماً) ومن ثم، فان (التعليم) يظل هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق مفهوم العبادة او الخلافة وهذا ما يضاد متاع الدنيا، حيث يظل الاشباع بقدر الحاجة هو المسوغ لاستمرارية الحياة العبادية أو الخلافية وهذا يعني ان (الزهد) هو المجسد لمفهوم الاشباع بقدر الحاجة، مقابل الحرص واللهاث وراء الاشباع الزائد عن الحاجة. ان الدنيويين من الشخصيات الاجتماعية يحلمون بالمواقع الرئاسية في مجتمعاتهم والترف والزينة في اشباع حاجاتهم. على العكس من الشخصية الاسلامية حيث يظل (الزهد) بمتاع الدنيا هو الطابع لها وهذا ما توسل به الدعاء من ان يتفضل الله تعالى على علمائنا بان يكونوا زاهدين حتى يتأسئ بهم الأخرون ما داموا هم القدوة التعليمية، هذا ما يرتبط بالسمة الاولى اما الثانية فهي (النصيحة) ، فماذا نستلهم منها؟ (النصيحة) هي: الوعظ والاخلاص في المودة حيال الاخر وهذا يعني: بما ان (العالم) يضطلع بمهمة (التوصيل) لمبادئ العبادة والخلافة حينئذ فان المطلوب هو ان يكون مخلصاً في عملية التوصيل المتقدمة، اي: ان يمارس التعليم لوجه الله تعالى لا يبتغ بذلك، تقديراً او جزاءً اجتماعياً أو اجرة مادية، ... الخ. ومن المؤسف ان نجد في مجتمعاتنا من يطلب الاجرة المادية أو المعنوية لنشاطه العلمي وهو ما يتنافى تماماً مع الفقرة المتوسلة بالله تعالى بان يتفضل على علمائنا بالنصيحة في نشاطهم العلمي، وهذا كله فيما يرتبط بعملية التعليم. ولكن ماذا بالنسبة الى (التعلم)؟ لقد توسلت العبارة الدعائية بالله تعالى بان يتفضل على (المتعلمين) بالجهد والرغبة. والسؤال: ما هي الاسرار الكامنة وراء الطرح لظاهرتي (الجهد والرغبة) ؟ واضح ان طالب العلم لا يحصل على هدفه مالم يبذل جهد يتناسب مع المادة التعليمية. كما انه لا يصل الى هدفه مالم يقترن بـ (الرغبة) الجادة للتعلم. ولعل من الحقائق النفسية التي يلح على تحققها علم النفس التعليمي هي ايجاد التضاد النفس الملائم للمادة العلمية، فمع الرغبة يحصل الطالب على درجته العلمية التي يطمح اليها والا فأن الاخفاق يظل ملاحقاً هذا الطالب او ذاك مادام مفتقداً لعنصر (الرغبة) اي: الميل الى الشيء حيث لا فائدة من الشيء ما لم يقترن بالميل اليه: كما هو واضح. اذن امكننا ان نتبين جانباً من عبارة الدعاء المتقدمة سائلين الله تعالى ان يوفقنا الى تعلم مبادئه وان يوفقنا الى الالتزام بالطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******