بِسْمِ اللَّهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ الذي انعم علينا بولاية صفوته الطاهرين، حبيبه المبعوث رحمة للعالمين محمد وآله الطيبين صلوات الله عليهم أجمعين.
السلام عليكم احبتنا المستمعين ورحمة الله وبركاته، بتوفيق الله نلتقيكم في حلقة أخرى من هذا البرنامج نستكمل فيها التعرف الى سبل النجاة والتطهر الكامل من العامل الثامن عشر من العوامل السالبة لطيب الحياة في الدنيا والآخرة حسبما هدانا لمعرفتها النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في دعائه المبارك الموسوم بدعاء (الحجب) وهذا العامل هو (فساد الضمير)، وقبل استكمال الحديث عنه نتبرك بقراءة المقطع الختامي من هذا الدعاء الشريف فنقتدي بحبيبنا المصطفى وهو يدعو ربه الجليل تبارك وتعالى لصرف هذه العوامل عن جميع اهل الايمان قائلاً: (اللهم ... أسألك بعزة ذلك الاسم ان تصلي على محمد وآل محمد، وأن تصرف عني وعن أهل حزانتي وجميع الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، جميع الآفات والعاهات، والاعراض والامراض، والخطايا والذنوب، والشك والشرك، والشقاق والنفاق، والضلالة والجهل والمقت، والغضب والعسر، والضيق وفساد الضمير، وحلول النقمة، وشماتة الاعداء وغلبة الرجال، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء لطيف لما تشاء ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم).
مستميعنا الاكارم، عرفنا في الحلقات السابقة ان معنى فساد الضمير هو تلوث قلب الانسان وباطنه بالأمراض النفسية كالحسد وطول الأمل والحقد والكبر ومن مصاديق فساد الضمير اضمار الشر والسوء للناس.
وقد استهدينا بالنصوص الشريفة لمعرفة سبل التطهر من هذا العامل المدمر لصفو حياة الانسان وطيبها في الدنيا والآخرة؛ ومن هذه السبل التفكر في النصوص الشريفة المبينة لبركات التطهر من فساد الضمير وخبث السريرة وكذلك في النصوص المحذرة من آثار تلوث قلب الانسان وباطنه.
فمثلاً من الآثار الخطيرة لفساد الضمير واضمار الانسان السوء للآخرين حجب دعائه عندما تحيق به الشدائد أو يقع في البليات، وهذا ما يصرح به مثلاً ما روي في كتاب معاني الأخبار للشيخ الصدوق بأسناده عن الامام زين العابدين السجاد (عليه السلام)، حيث قال ضمن حديث طويل عن آثار الذنوب: (والذنوب التي ترد الدعاء: سوء النية وخبث السريرة والنفاق مع الأخوان وترك التصديق بالاجابة وتأخير الصلوات المفروضات حتى تذهب أوقاتها، وترك التقرب الى الله عزوجل بالبر والصدقة واستعمال البذاء والفحش في القول).
أيها الاخوات والاخوة، ويستفاد من النص المتقدم أن عدم التطهر من فساد الضمير وسوء النية يعني حرمان الانسان نفسه من العون الالهي في الشدائد، ولذلك نقرأ في كتاب (مكارم الاخلاق) ضمن وصية النبي الاكرم للصحابي عبدالله بن مسعود قوله (صلى الله عليه وآله): (يا ابن مسعود عليك بأصلاح السريرة فان الله تعالى يقول: «يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ، فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ»).
كما أن من أخطر الآثار السيئة لسوء النية وفساد الضمير الحرمان من المغفرة الالهية والخروج من ولاية أهل البيت (عليهم السلام) خاصة اذا حمل الانسان حقداً على المؤمنين وأضمر لهم سوءً، فقد روى الشيخ المفيد في كتاب الاختصاص ضمن حديث لمولانا الامام علي الرضا (عليه السلام) قال: (من آذى ولياً من أوليائي أو أضمر له سوءً فان الله لا يغفر له حتى يرجع عنه، فان رجع عنه [غفرله] والا نزع روح الايمان عن قلبه وخرج عن ولايتي ولم يكن له نصيب في ولايتنا وأعوذ بالله من ذلك).
أيها الاحبة، كما أن من الآثار السيئة لسوء النية وفساد ضمير الانسان تأثيره على سلوكياته الظاهرية شاء أم أبى وفي ذلك تدمير لحياته إذ أن تلوث باطن الانسان بالحسد والكبر والحقد وسائر الامراض القلبية يحرمه من توفيق العمل الصالح والصلاح. والعكس صحيح أيضاً، وهذا ما دلت عليه كثيرٌ من النصوص الشريفة نستضيء ببعض من كتاب (ميزان الحكمة)، فمثلاً روي عن الصادق الأمين حبيبنا المصطفى (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (ما أسر عبدٌ سريرة الا ألبسه الله رداءها- أي اظهرها على سلوكه-، إن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً).
وقال مولانا أمير المؤمنين علي المرتضى (عليه السلام): (لكل ظاهر باطنٌ على مثاله، فمن طاب ظاهره طاب باطنه، وما خبث ظاهره خبث باطنه ... ومن حسنت سريرته حسنت علانيته وحسن السيرة عنوان حسن السريرة وصلاح الظواهر عنوان صحة الضمائر).
وعن إمامنا جعفر الصادق (عليه السلام) قال: (فساد الظاهر من فساد الباطن ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته).
مستمعينا الافاضل، وبهذا ينتهي حديثنا عن العامل الثامن عشر من العوامل المنغصة للحياة الطيبة حسبما هدانا اليها حبيبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله( في دعائه الموسوم بدعاء الحجب، في الحلقة المقبلة من برنامج (ينابيع الرحمة) نبدا الحديث عن العامل التاسع عشر منها وهو (حلول النقمة) أعاذنا الله واياكم منها، فالى حينها دمتم بكل خير ولكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران خالص الدعوات.