بسم الله الرحمن الرحيم أعزائي الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم وأهلاً بكم سلام المحبة والوفاء تبعثه اليكم حيث يغمرنا السرور ونحن نجدد اللقاء بكم عند محطة اخرى من المحطات التي نتوقف في رحابها عند عالم القصص والحكايا والأساطير العالمية حيث نطل من نافذتها على الخفايا الكامنة وراءها والأسرار التي تكتنفها محاولين إستكشاف هذه الخفايا والأسرار. كونوا أيها الأحبة برفقتنا.
مستمعينا الأفاضل حكايتنا لهذا الأسبوع هي من جملة الحكايات والأساطير الإيرانية القديمة التي وردت في ملحمة الشاهنامة للفردوسي وهي تعد من الأساطير التي تؤرخ للتاريخ القومي والوطني رغم إمتزاجها بالكثير من المبالغات التي تميز الأساطير من هذا النوع حيث تضاف صفة القوى والقدرات الخارقة الى أبطالها حتى ليبدون بعض الأحيان آلهة او أنصاف آلهة. على أية حال أن هذه الأسطورة التي ربما كان لها نصيب من الحقيقة اذا جردناها من التهويلات والمبالغات تنتمي الى الأساطير التاريخية التي تؤرخ لماضي الأمم والشعوب وتسلط الضوء على أبطالها. فلنتابع إخوتنا الأحبة حكايتنا لهذا الأسبوع والتي تجسد لنا الصراع بين الخير والشر، الخير المتمثل في البطل رستم والشر المتجسد في ملك الجان المسمى ديو سفيد او الجني الأبيض وقواها المتمثلة بالشياطين والمردة.
مستميعنا الكرام تقول الأسطورة إن كيكاووس الملك الكياني الثاني وحفيد الملك الكبير كي قباد كان ذات يوم جالساً على سرير ملكه خين وقف ببابه مغني حاذق من بلاد مازندران وكان الملك مولعاً بالشعر والغناء فأذن للغريب بالدخول عليه وإنشاد بعض ألحانه فأخرج الغريب عوده ولعب بمهارة على أوتاره ثم إنطلق بالغناء بصوت شجي يصف الجنان التي تضمها أرض مازندران ويحكي قصص الهوى والعشق. طرب الملك للغناء بقدر ما أحس بشوق عارم لتلك البلاد التي لم يذهب اليها أحد من أجداده قط. وفي غمرة النشوة بالطرب والشوق قرر كيكاووس أن يستولي على بلاد الجنان هذه وأن يتخذها عاصمة له. أخذت الرعدة كل من في المجلس فما من احد ويعرف أن مازندران مأوى الجن والشياطين يعيشون فيها جنباً الى جنب مع السباع والنمور والدببة والذئاب ولكن أحداً من رجال القصر لم يكن يجرأ على معارضة الملك حتى قائد الجيش الذي إمتثل للأمر ولم ير بداً من أن يأمر كل قواته بالإستعداد للخروج الى المعركة الجديدة وعلى رأسها كيكاووس نفسه ملك ايران. وهكذا ما لبثت جيوش كيكاووس أن عسكرت على حدود مازندران وإنقض رجال الطليعة على المدينة التي لم تكن قد إستعدت بعد. فلم تدري إلا وحشود تخترق أبوابها وسيوف لامعة تقتلع الرؤوس ومشاعل من نار تحرق وتدمر وبلغ الهجوم مسامع ملك البلاد فألمّ به الحزن ثم رفع رأسه ينادي أحد جنود الجن وأمره أن ينطلق الى الجني الأبيض ديو سفيد ملك الجان ليخبره بما صنع كيكاووس.
أحبتي الأفاضل ما زلتم تستمعون الى برنامج حكايا وخفايا يأتيكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران ونتابع هذه القصة حيث إنتفض ملك الجن حين سمع النبأ ولم يكد الليل يهبط حتى كان قد إنقض مع جنده على معسكر كيكاووس فأطبق عليه إطباق السحاب وأمطر عليه من السماء حجارة ونصالاً ثم أرسل جحافل الظلمة تحوطه من كل جانب لتغرق الجيش في أعماق ليل طويل دائم وعندما إطمأن ملك الجن ديو سفيد الى أن الأعداء قد حبستهم الظلمة وكل بهم إثني عشر ألفاً من الجن والشياطين تحوطهم وتمنعهم من العودة وأمرهم أن لايسمحوا لأحد منهم بالخروج سوى واحد فقط ليذهب الى أهل بلاده ويقص عليهم ما حدث كي يعتبروا وليعرفوا أن الهجوم على إقليم الجن ليس من وراءه سوى الخسران.
مستمعينا الأفاضل إستطاع رسول كيكاووس أن ينفذ من الحصار لكنه لم يذهب الى بلاده بل إنطلق الى الملك دستان والد رستم يستغيث به ويطلب النجدة منه على جيوش الجن. حزن دستان وأصابه غم عظيم لسماع نبأ ما ألمّ بصديقه كيكاووس وأقبل على ولده رستم البهلوان وقال له: الى النجدة أيها الفارس الذي إن حارب صارت البحار دماءاً وإن كافح الجبال عادت هباءاً، جرد سيفك وخذ فرسك وإنهض الى مازندران لتدق عنق ملكها وتنقذ الأرض من شرور جنها وسأنهض انا لأسجد لرب السموات أن يحميك ويحرسك ويردك الى أبيك مرفوع الرأس منصوراً.
نهض رستم فلبس سلاحه وركب فرسه الرخش وإنطلق في الطريق الوعر الشاق ليكون أقرب لنجدة من إستنجد وإغاثة من إستغاث. وراح رستم يخترق الصحاري الواسعة التي كانت تلهب الأرض بنيرانها ولاأنيس له سوى سيفه وفرسه وظل يصل الليل بالنهار حتى إنقضى يومان لم يأكل خلالهما شيئاً من طعام قط فلما إنتبه لنفسه وأحس بالجوع أطل حوله يبحث عن صيد واذا بحمار وحش يروح هنا وهناك فإنقض عليه في لحظة وصرعه ثم شواه وأكله. إستمر رستم في سيره يخترق الفيافي والغوار حتى بلغ لأول مرة أرضاً خصبة كثيرة الخيرات فأرسل فرسه يرعى وإتكأ هو ليستريح وبينما هو كذلك جاءه ناطور تلك الأرض وصاح طالباً منه إبعاد فرسه عن اكل الزرع وضربه على رجله بعصا كانت معه فثار غضب رستم وهجم عليه وجذبه من أذنيه فإقتلعهما وحمل الناطور إذنيه الداميتين وعاد هارباً الى اولاذ ملك تلك الناحية فأنطلق هذا ومعه حرسه الى حيث كان رستم فما كان من رستم إلا أن إمتطى صهوة جواده فحمل عليهم كأنه الأسد الهائج وتساقطت رؤوس جند أولاذ الذي إنطلق يتلمس طريق الهرب ولكن رستم عدا خلفه وقبض عليه وشدّ وثاقه وألقى به مقيداً بين قدميه. قال رستم مخاطباً أولاذ: أطلب منك طلباً وأعطيك عهداً فإن أنت دللتني على ملك الجن ديو سفيد وأوصلتني الى المكان الذي حبس فيه الملك كيكاووس جعلتك ملكاً على عرش مازندران.
مستمعينا الكرام من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران إستمعتم لبرنامج حكايا وخفايا، نشكركم على طيب المتابعة والإصغاء والى اللقاء.