ضيف البرنامج: الدكتور الاستاذ سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم أحبتنا المستمعين في كل مكان على الود والصفاء والمحبة نلتقيكم، والفرح البالغ يملأ وجودنا لتجدد اللقاء معكم عبر حلقة أخرى من برنامجكم الاسبوعي المتجدد «ذخائر العبر» الذي نأمل ان يكون قد نال رضاكم حتى الان بتطوافه عبر روائع الفكر الاسلامي والشخصيات التي انجبتها الحضارة الاسلامية عبر التأريخ. فجادت لنا قرائحها بهذه الروائع والاسفار النفيسة التي تعد آية من آيات البلاغة والادب شعراً ونثراً. ندعوكم اخوتنا المستمعين الى متابعتنا.
المحاورة: أيها الاخوة كنا قد وعدناكم في حلقة الاسبوع المنصرم بأن نكمل حديثنا مع ضيف البرنامج الاستاذ الدكتور سعد الشحمان حول قصة (الشيخ صنعان) المستخرجة من كتاب (منطق الطير) للشيخ فريد الدين العطار وها نحن ذا نفي بوعدنا، شاكرين لضيف البرنامج العزيز تشريفه بالحضور، ليتحدث لنا في هذه المرة عن القصة نفسها ودلالاتها الصوفية والعرفانية والسبب الكامن وراء كل هذا الانتشار والذيوع الذي كتب لها. تفضلوا استاذ الشحمان مشكورين.
الشحمان: بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم وعلى المستمعين الاعزاء ونسأل الله ان يتقبل طاعاتكم وعباداتكم. سوف نخصص القسم الثاني من الحديث عن الكتاب نفسه او عن القصة نفسها وهي قصة الشيخ صنعان التي اقنبست من كتاب منطق الطير الحافل بالقصص والحكايات الكثيرة الصوفية ولابأس ان نتحدث بشكل مختصر عن كتاب منطق الطير في البداية فنقول ان منطق الطير هذا الكتاب المعروف والشهير الذي ترجم الى اللغة العربية وربما الى لغات اخرى هو عبارة عن منظومة صوفية عرفانية ورمزية من الدرجة الاولى، تضم هذه المنظومة اربعة الاف وخمسمئة بيت وموضوعها هو بحث الطيور عن الطائر الوهمي المعروف باللغة الفارسية بطائر السيمرغ او طائر العنقاء في اللغة العربية طبعاً الطيور وهذا الطائر هي عبارة عن رموز بالنسبة الى الطيور ترمز الى السالكين في طريق التصوف والباحثين عن الله سبحانه وتعالى واما طائر السيمرغ فيرمز الى الحق جل وعلا. هذه القصة عندما نقرأها نلاحظ انها تبدأ بحديث بين الطائر الذي اختير كقائد لبقية الطيور وهو طائر الهدهد، حديث يدور بين هذا الطائر وبقية الطيور التي يبلغ عددها ثلاثة عشر طيراً حول الرحلة التي من المقرر ان يقوموا بها بحثاً عن الله سبحانه وتعالى وعن عشقه وعن حبه ولكننا نلاحظ ان هذه الطيور بمختلف انواعها تتعلل وتأتي بمعاذير وحجج للانصراف عن هذه الرحلة، طبعاً الطيور ترمز الى الناس، الى البشر والى المعاذير التي يأتون بها في طريق الوصول الى الله سبحانه وتعالى يعني الى العلائق المؤدية التي تربطهم بهذه الدنيا وطبعاً طائر الهدهد يجيب على اشكالاتهم وعلى استفساراتهم وتساؤلاتهم الواحدة بعد الاخرى وكل هذه الاحداث يوردها فريد الدين العطار على شكل شعر واما بالنسبة الى القصة التي نحن بصددها وهي القصة العرفانية التي عرفت بقصة الشيخ صنعان وهي قصة معروفة سواء في اللغة الفارسية او في اللغة العربية هي حكاية طويلة وكما قلنا جاءت في كتاب منطق الطير وتتعلق بهذا الشيخ المتصوف الذي كان يسكن في مكة مع عدد كبير من مريديه وكان يعرف بالتقوى والصلاح ثم حدث في يوم من الايام او في ليلة من الليالي انه رأى في منامه انه رحل الى بلاد الروم وسجد للصنم وكما هو معلوم او كما هو شائع بين الصوفيين فأن رؤية الصالحين تكون عادة صادقة فأسرع الشيخ الى بلاد الروم مع مريديه وهناك رأى فتاة نصرانية واغرم بها غراماً شديداً فأستغلت هذه الفتاة عشق الشيخ لها فشرطت عليه شروطاً ارادت من خلالها ان تبعده عن الدين الاسلامي فبعد ذلك كان الحب مسيطراً على شغاف قلب الشيخ فأستجاب لشروطها بعد ان تناول المنكر والعياذ بالله فالمريدون استهجنوا منه هذا العمل والحوا عليه ان يعود الى رشده ولكن الشيخ ابى فعاد المريدون بعد ان يأسوا من اصلاح الشيخ وكان للشيخ صديق يسكن في مكة رأي في منامه النبي صلى الله عليه واله وسلم واخبره النبي بأن الشيخ قد هدي وقد عاد الى صوابه بفضل الله سبحانه وتعالى ثم عاد الجميع الى بلادهم مرة اخرى وخلال هذه الفترة كانت الفتاة قد رأت في منامها كأن الشمس قد سقطت الى جانبها وطلبت منها الاسراع في الالتحاق بالشيخ فذهبت الى بلاد الحجاز وهناك طلبت من الشيخ ان تسلم على يده فأسلمت وفي نفس اللحظة التي اسلمت فيها اسلمت روحها ايضاً لله سبحانه وتعالى. هذا هو ملخص واختصار شديد لهذه الحكاية ذات الدلالات العرفانية.
المحاورة: طيب كل الشكر والتقدير نقدمه لكم حضرة الاستاذة سعد الشحمان على هذا الوقت الذي خصصتموه للحديث عن رائعة الشيخ فريد الدين العطار الشيخ صنعان
الشحمان: عفواً، حياكم الله.
المحاورة: شكراً املين ان ننتفع نحن والاخوة المستمعون من احاديثكم في حلقات البرنامج القادمة حول اسفار اخرى من اسفار تراثنا الاسلامي الفارسي، ان شاء الله.
الشحمان: ان شاء الله بإذن الله تعالى.
المحاورة: ان شاء الله والان نرجو منكم اخوتنا المستمعين متابعتنا عبر ما تبقى من احداث قصة الشيخ صنعان مع الفتاة الراهبة النصرانية التي شغفته حباً.
مستميعنا الكرام وتقول القصة ان الشيخ كان له صديق تقي وطاهر القلب كان يجاور الكعبة وبعد عودة المريدين سألهم عن الشيخ فانفجر المريدون بالعويل والبكاء وأخبروه بقصة شيخهم ثم انه اطلق الآهات والزفرات بعدما سماعه ماحدث للشيخ، واستشاط غضباً على المريدين، واتهمهم كلهم بعدم الاخلاص للشيخ وخذلانه قائلاً لهم: هل هذه هي الصداقة الحقيقية؟ وهل هذا هو الوفاء؟ عليكم أن تخجلوا من انفسكم، هل عليكم أن تتخلوا عنه لمجرد انه تزنر كالنصارى؟ ان الصديق الحقيقي يجب أن يقف الى جانب صديقه حتى وإن أصبح كافراً. وهنا يقرر الشيخ الصديق ان يعتكف هو والمريدون اربعين يوماً يقضونها في الدعاء والتضرع الى الله تعالى، وفي ان يلهمهم السبيل الى انقاذ الشيخ العاشق من الحال التي ال اليها. وفي الليلة الاربعين رأى الشيخ في منامه النبي المصطفى (صلى الله عليه واله وسلم) وهو أي الشيخ جالس بين يديه ماداً يد التضرع والالتماس في أن يهدي صاحبه ويعيده الى طريق الصواب، فيبشره النبي (صلى الله عليه واله وسلم) بأن الشيخ قد رجع الى جادة الصواب وانه قد تحرر من أغلاله وقيوده. فما كان من المريدين الا ان شدّوا الرحال الى بلاد الروم وحينما وصلوا الى شيخهم رأوه وقد مزق الزنار وأجهش بالبكاء فقد كان يريق الدموع الغزيرة كأنها أمطار الربيع نادماً على ما بدر منه فسارع المريدون اليه وقد ملك الفرح وجودهم، وعادوا به الى الحجاز.
ثم ان الفتاة النصرانية رأت في منامها بعد ذلك، الشمس وهي تخاطبها قائلة: لقد بلغت الحب الحقيقي فسارعي لللحاق بالشيخ وأدركيه. فما كان من الفتاة الا ان مزقت جيبها لتخرج صارخة مولولة من بيتها، باحثة عن الشيخ، وطالبة المغفرة من الله ولسان حالها يقول: الهي يا مدبر الأمور! اطفأ بحر قهرك وغضبك عني لقد ارتكبت الذنوب العظيمة جهلاً ودون علم مني، فأعفو عني وتجاوز عن خطيئتي، ولاتؤاخذني بفعلتي. فلقد قبلت دينك الأعلى والأفضل بين العالمين. وما يلبث الشيخ ان يعلم بمجيء الفتاة، وما تلبث الفتاة ان تدخل على الشيخ متضرعة ومتوسلة في أن يصفح عنها ما بدر منها اذلالاً له واستغلالاً لحبه لها وتطلب منه أن تتشرف بإعتناق الدين الاسلامي على يديه فيأذن الشيخ لها بذلك لتفارق الفتاة الدنيا بعد ذلك وقد عمّر الحب والعشق الحقيقيان قلبها.
المحاورة: مستمعينا الأعزة على الحب نودعكم، شاكرين لكم حسن اصغاءكم ومتابعتكم وآملين ان يتجدد اللقاء بكم وايدنا ملئى بمزيد من الدروس والعبر المستوحاة من روائع تراثنا الاسلامي، التي سطّرها نوابغ الفكر والادب على مر التاريخ. راجين ان تتواصلوا مع بأقتراحاتكم ووجهات نظركم على عنوان البريد الالكتروني adabfan۹۱@yahoo.com. فحتى ذلك الحين نستودعكم الرعاية الالهية والى الملتقى.